أَجَفَاءٍ هُوَ أَمْ قَدْ إِقْتَرَبَ الْلِّقَاءِ؟

اللهم ارحم أبى و أبلغه منى السلام. تذكرته بالأمس ، والحق أقول أنى لم أنساه كى أتذكره ولكنى أشتاق إليه اليوم أكثر.
كنت أُقلّب السُكر فى فنجان الشاي، سرحت، وظللّت أقلب وكأنى أوّد التخلص من جبال من الهموم. الملعقه تضرب جنبات الفنجان ويخرج منها أصوات مزعجه. إبتسمت هنا عندما فرغت من سرحانى و توقفت عن تقليب السكر.
ففى إحدى المرات فعلت نفس الفعله وقلبت السكُر بالملعقه لفترة أطول مما ينبغى، وكان أبى يقرأ جريدته التى وضعها جانبا ونظر لى قائلاً :
على فكره، فى واحده جارتنا أطلقت من جوزها بسبب تقليبها الشاى بنفس الطريقه دى!
ومنذ هذا اليوم وأنا أبتسم عند سماع صوت الملعقه وهى تضرب فى الفنجان. وأحياناً كثيره أتعمد الإطاله فى تقليب السُكر حتى أسمع صدى كلماته فى أذنى.
لا أدرى سبباً جديداً لهذا الإشتياق الزائد هذه الأيام. ربما أريده اليوم سنداً أو ناصحاً أو على الأقل أتخذه ساتراً أتخفى ورائه وأحتمى به. أشعر بالغيره و أخفيها عن أخواتى و أنا أكبرهم. فالجميع يراه فى المنام يوم تلو الآخر و أنا لم أره فى منامى مره واحده منذ وفاته. كذبت عليهم مرّات و إدعيت زيارته لى
لا أدرى لما الجفاء و أنا لم أقُصّر فيما قد سُند إلى وعاهدت عليه. لا أقصد الجفاء من طرفه، فهو كان رمزاً للوصل والوصال و أنا الذى فضلّت الفراق فى سن صغيره وإخترت البعد عن البقاء لأسباب واهيه و أحلام لا تسوى ذكرى واحده من تلك الذكريات.
لا أعتقد إنه جفاء إذن ولكنه قرب اللقاء

! تِيَاتْروَ الْوَجِيْهِ بَائعِ الْتِرْمِسْ

عجوز بائع الترمس هذا الذى يقف على كورنيش البحر قريباً من عتبات كازينو الشاطبى – أو تياترو الشاطبى كما كان يسميه الرجل. بلغ من العُمر عتياً، كان قوياً صلباً بقوة تلك الصخره الذى إتخذ منها مُستقراً ومنزلاً لعرض بضاعته المتواضعه.ترك الزمن على قسمات وجهه علامات ودلالات قديمه بقدم صُحف إبراهيم وموسى. تطل أسرار الحكمه من عنينه الثاقبتين ،كسهام مسمومه فى معركة حاميه طرفاها الحق والباطل. لا يعباُ بما يدور من حوله أو هكذا يظنه الجاهل عند النظر إليه. فهو دائماً مشغولاً بسكب المياه على ما تحتوية الصنيه من ترمس حتى يظهر طازجاً نقياً  فى عيون الناظرين.
ثمة شئ غامض فى هذا التياترو فهو يمثل لبائع الترمس المستحيل وصعوبة المنال. كان بينه وبين التياترو ماضى وثأئر لم يستطع الرجل تركه والمُضى قُدماً فى حاضره.كان ينظر الى الي التياترو بنظرة الحائر الباحث عن إجابة وملاذ. يُلقى بنظرة الحيرة إلى التياترو وإلى البحر بنظرة المُنشد المُستجير. وكأنه يأخذ ما يمثله له التياترو من حيرة وهموم ويرميها فى ملكوت البحر الفسيح الذى لم يشكو يوماً من هموم الناس أو من كتمان أسرارهم.
يروى بعض الناس بأن بائع الترمس كان فى شبابه زبون مستديم فى التياترو. كان وجيهاً عزيزاً ، ذو مال وسلطان. كان كريماً سخياً يغدق بماله وكرم أخلاقه على من حوله. كان عاشقاً للبحر والليل والطرب والفنون. كان يجلس دائماً على تلك الطاوله المُطله على موجات البحر، يأتى للتياترو عندما تحتضن أضواء القمر الفضيه سطح البحر الساكن ويذهب الرجل مع أول شعاع لاشعة الشمس الذهبيه.
بمجرد وصوله للتياترو يأتى الجرسون بزجاجة بيرة مثلجه من النوع الفاخر وطبقين صغيرين من الترمس. يجلس على مقعده متأملا فى سلطان البحر، يخرج سيجاره أجنبيه من علبة فضيه و يضعها فى مبسمة العاجى الأسود ثم يشعلها بولاعته الذهبيه. يختلط دخان السيجارة مع أصوات كاسات الخمر وزجاجات البيره ويجاضع موجات البحر الزرقاء  لخلق سمفونيه منظمه لا يسمع نغماتها غيره. كان صامتاً مثل البحر، ساكناً كحال جبل عتيق لا تزحزحه رياح عاتيه مسها شئ من الغضب. وهكذا، يقضى ثلثه الأول من الليل فى التياترو ، حتى يأتى ميعاد الفترة الفنيه وعند ذلك يحوّل الوجيه إهتمامه من البحر إلى المسرح وعندها يأتى الجرسون بمزيد من البيره وكثيراً من الترمس.
وفى ليلة خريفيه تلألأ في كبدها القمر وملأ نوره السماوات والأرض، جلس صاحب السعاده فى نفس المقعد على طاولته المعهوده منتظراً الفقره الفنيه، حتى إعتلت فتاه جديده خشبت المسرح، والحق أنها لم تعتل خشبة المسرح فحسب وإنما إعتلت وملكت قلوب الحضور من قبل أن تستحوذ على أسماعهم وأبصارهم.  كان إسمها سمراء كلون بشرتها الناعمه .غنت الفتاه كلمات جميله لا يتذكر أحداً منها حرفاً واحداً، ولكن الجميع يتذكر البشره الخمريه التى علّمت فيها الشمس وتركت أثراً ظاهراً. لم ينس أحدا النهدين البارزين كعلامات العزه والإنتصار. تذكر كل الناس العينين الواسعتين وتلك الشفاه الغليظه الداكنه التى لها مفعول الخمر فى العقول. تجلّت قُدره الخالق فى قوام ملفوف، فارع كلهب مشتعل لا تقدر على إطفائه أمواج البحر الذى سكن إجلالاً وتقديراً لجمال سمراء.
عشقها صاحب السعاده وشغفته حباً. تقرب منها ولها. أصبحت سمراء بالنسبه له حياة جديده فوق حياته وعُمر مديد يأمل أن يعيشه ويلتهمه إلتهاماً. كان يقول لها مازحاً أنه يعشقها أكثر من عشقه للترمس وأقل قليلاً من البيره التى أمرته بالإقلاع عنها. كانت تشاركه طاولته الخاصه كل ليله بعد اداء الفقره الفنيه ، ينظر الى البحر على يمينه ويهيم فى بحور عينيها على يساره. ظن الرجل أن الجنه قد هبطت الى الأرض وكان نصيبه منها سمراء.
سأم الوجيه عيون الحاسدين والمعجبين من حوله فقررا أن يتواعدا على اللقاء بعيداً عن التياترو، لم ينم الرجل ليلته ، ماذا سيقول لسمراء عندما يجالسها وحده ؟ ترى سيكون جمالها مختلف خارج التياترو عندما ينظر اليها وحده؟ ماذا سترتدى له وحده ؟ إنها لهفة الأشواق وأنانية العشاق. فلا يوجد على الأرض عاشق غير أنانى. ياله من ميعاد بعيد. ذهب الى المكان الموعود والزمان المتفق عليه ولكنها لم تأت! ماذا حدث؟ أين أنت يا سمراء الجنه الموعوده؟  ذهب الوجيه إبن الذوات فى اليوم التالى والثالث والرابع والألف ولكنها لم تفِ بما إتفقا عليه وتعاهدا
عاد الرجل خائب الرجا إلى التياترو يسأل عنها سؤال الملهوف المُستغيث ولكن لم يعرف أحد ما أصابها. لقد إختفت فجأه  كحلم قصير لا يدوم ويبقى. لم يذهب الوجيه  مرة أخرى للتياترو وإنقطعت أخبارة مثلما إنقطع وإختفى حلمه الأسمر. لا يعرف أحداً ما جرى له هو الآخر ولكنهم رأوه ذات مساء أمام التياترو بعربة الترمس الذى يعشقه. يقضى الليل متأملاً التياترو والبحر عسى أن يجيب أياً منهما على سلواه وموجعته. من أجل ذلك كُتب على صاحب السعاده أن يكون بائعاً للترمس !

… مَلّـعَـوَنَ أَبُوْكِ يَا طُمُوْحٌ

تذكرت عم محمد صالح فجأه بلا مقدمات. فأنا لم أر الرجل منذ سنوات ، ولكن هفت علىّ ذكراة العطره وريحه الطيب عندما إستمعت إلى تلك الأغنيه التعيسه لحمزه نمره عن السفر وتذاكر الطيران. عوّدت نفسى منذ أعوام مضت أن لا أتأثر بأغنيه أو إشاره أو بأى ذكرى حزينة كانت أم سعيده. رسمت عيون زجاجيه وقلب ثلجى فوق قسماتى الشرقيه. والحق أقول انى نجحت نجاح باهرحتى صرت أتفاخر بما وصلت اليه من جمود. ولكن الآن أتذكر عم محمد! ولما الآن؟ولما اليوم وانا بعيد كل البعد عن السفر والطائرات؟ إنها تلك الأغنيه التعيسه بلا أدنى شك. كيف حالك الآن يا عم محمد؟ أدعو الله ان تكون بخير وبصحه جيدة.
اول من شاركته مسكناً فى الغربه هو عم محمد صالح - ذلك الرجل البشوش المرح الذى وسعت إبتسامته كل شئ. كان كريم خيّر، متفائل إلى أبعد الحدود لدرجه أنى فكرت جديّاُ فى البحث عن مسكن آخر بعيداً عن هذا الرجل السعيد! كان مؤمن بلا ريب بأن لكل ضيق مخرجاً ولكل عقده حل وفرج وطريقه. ظن الرجل بأن الخير الموجود فى الدنيا قد فاق وكثرعن الشر بدرجات عُلى.
ذكر لى يوماً أنه عندما سافر أول مره قال لزوجته وهو يودعها أنه سوف يعود بعد ثلاثة سنوات لا يزيد. اليوم مرت أكثر من ثلاثة وثلاثين سنه وعم محمد مازال مغترباً حائراً. حضرت زوجته للمعيشه معه، كبر الأولاد وأصبح له من الأحفاد حفنه ولايزال الرجل يبحث عن حق العوده، وأبتسامته تعلو تلك القسمات التى تركت فيها الغربه علامات عميقه بطول نهر النيل
أتذكر هذه القصه وأنا أرى نفسى أصنع من خطواتى البسيطه عم محمد آخر جديد ولكن بلا ولد أو حفيد. أمشى فى نفس الدروب الضيقه التى تركها الرجل ولا أحيد عنها مقدار ذرة من خردل، و خلال هذه الخطوات قد مات من مات وخُلق من خُلق وتزوج من تزوج ،وها أنا ذا اكتب ما أكتبه الآن وانا فى منتصف الثلاثة وثلاثين سنه التى قضاها الرجل حالماً بالرجوع ! ولكنى لا احتوى على ما تسلّح به الرجل من تفاؤل وابتسامات وإيمان. فعتادي مختلف عن عتاده إختلاف الكُفر عن الإيمان والهدف فى إتجاه معاكس
اسمع مقطع آخر من الأغنيه وأتذكر صديق آخر هاجر فى سن متأخره مما جعل إرتباطه بالبلد الام اكثر عمقاً ، وهامت جوارحه حُباً بما ترك هناك. أتذكر أنه مرض ذات يوم وذهبت لعيادته وكنت تقريباً انا الوحيد الذى زاره خلال مرضه وسائت حالته النفسيه بسبب ذلك . فقال لى أنه اذا عطس أحد فى مصر زارة الشارع بل المدينه بأكملها للإطمئننان عليه ! كان رقيق المشاعر مرهف الحس والشعور دائم الحنين ، ومن اجل ذلك كُتب على تلك الصداقه الموت وعدم الدوام.
لما أتذكر كل هذا اليوم ؟ أين العيون الزجاجيه والقلب الذى يملأه الجليد؟ لعنة الله على حمزه نمره و على من شابهه وإتبع منهجه.

وَلَو مِن نَادَى الْيَخْت يَا مُعَلِّم

خاب من ظن أن حالة الغثيان التى اصابت عموم الشعب المصرى هى أن احمد شقيق قد إختار نادى اليخت ليعلن ترشيحه لرئاسة مصر.  فالرجل كعادته منحاز لطبقات الشعب الكادحه.! فقد عُرف عنه انه لا يعرف للطبقيه إسماً وعنواناً.حالة الغثيان اصابت الناس هى لمجرد فكرة الرجل فى الترشيح لرئاسة مصر
شخص ما، أو مجلس ما قد خدع الرجل وقال له أن الشعب كما كان عليه وأن البلد لم تتغير وأن المليونيه التى عصفت بالبلوفر الأحمر كانت درب من دروب الخيال وأوهام لا نطاق لها.
ربما هناك عثرات ومطبات وفلول. ربما هناك إعلام عاهر، وجماعات وأحزاب لا قيمة لها، تسعى فى الأرض فسادا. ربما هناك أحكام عرفيه وقانون طوارئ . ربما هناك رئيس ورزاء كخيال المآته . هناك ألف ربما وربما. ولكن هيهات أن يعود الشعب إلا ما كان عليه من سكون وموت ورضا بالذل والمهانه. أكثر المتفائلين يقول أن الثوره قد سُرقت وأكثر المتشائمين يجهز اوراقه لهجره بلا عوده. ولكن فى يوم ما ولحظه موعوده سينتصر الناس ومعهم الحق على كل ما هو قديم وخبيث. كان هناك فسادا فى العهد المباركى ولا يزال قائما بوجوه وأسماء مختلفه. وحتى القضاء على كل هذا الفساد، فلازالت الثوره قائمه رغم أنف الجميع 

تَخَارِيْف !

أطير فى وسط قطرات المطر وأرسم اشكال خياليه لا يفهمها غيري. اشكلّ الواناً واخلق من الماء كائنات اسطوريه لا تعنى أى شئ سوى أنها من صنعى. منها الطيب وكثيرها الخبيث. اتنسم العبير المغسول بماء طاهر نزل من كبد السماء لهدف ومهمه سريه كُلّف بها وحده .لا يعلمها غيره وخالقه الذى ارسله وكلفه بها. اتحاور مع قطرات يتيمه حالها من حالى تشكو واشكى ، تبكى ولا ابكى . تأمرنى بالبكاء فاهرب منها طائرا لقطرة اخرى اشكو لها حال القطره الاولى . كيف لها أن تأمرنى بالبكاء! او قد بكى رجل من قبل ؟ اللعنه على القطرات. احلق ابعد من قطرات المطر لاصل الى السحاب المتكوم فى ألوان رماديه حزينه. تجاهلنى السحاب بكل إذدراء وتكبر. ولما لا؟ و لقد شُغل عنى بما يصنع من امطار وقطرات مصيرها الارض او البحر او بئر عميق مظلم؟ تخرج من عينيى التى بللها المطر صرخات صامته . نعم المطر الذى بللها وليست الدموع.  تتجاهل السماء تلك الصرخات فاليوم يوم شتاء والكل مشغول بمهمته وصنعته. أهبط هاويا الى هذه الارض وتلك الوجوه ورائحة البنج المألوفه!

الْدُّنْيَا سِيَّمَا فِى طَبِيْعَتِهَا كُلَّهَا أَفْلَام

جلست مع أحد مرشحى رئاسة مصر . حاورته وسألته عن المستقبل المظلم. ذكرّته بالماضى وعلاماته ومتداخلاته. شكرنى على ما اقوم به فى حملته الإنتخابيه. قدمنى للمسؤله عن الجزء التسويقى للحملة والتى أعمل معها منذ سنتين ولم التق بها غير تلك الليله. ملأت السيده رأسى بالأرقام والمعادلات والإحتمالات بأسوأها واحسنها. فى نفس الليله قمت بلقاء مجموعه من الأصدقاء لا يجتمعوا إلا فى وجودى نظراً لإختلاف وجهات نظرهم السياسيه والحياتيه عموماً. حاولت إصلاح ذات  بينهم ولكنى فشلت كالعاده. تكلمنا فى كل شئ وعن اى شئ. كانت ليله عظيمة الحدث حافله بالتفاصيل ولكنى لا اذكر منها سوى أغنية المرجيحه التى سمعتها فى ظهيرة هذا اليوم وما تركته فى نفسى من أثر جليل. ومنذ بضعت أيام فقط،، آمنت بأحد مقاطعها وإتخذته عنواناً لم كتبته هنا  بأن الدنيا كالسينما و أن لكل منا دور مكتوب بعنايه فإن قررت تغير هذا الدور والحياد عنه فشلت وقُهرت

#occupaywallstreet at 55 Wall St.

احْمَد زَبايْدّر : الغْزِيْه لَازِم تَنَزَّل


أرى محمود مرسى يقتل هنادى بدم بارد ، ارى زكى رستم غاضب لشرفه عازما على الانتقام فى بيت العز يا بيتنا. اسمع نغمات عبد الباسط حموده الخالده : الثار الثار الثار الثار ..ارحم م العار ارحم م العار. أر ى رجالا يحملون المشاعل ويحاصرون قناة الفراعين هاتفين على قلب رجل واحد : الغزيه لازم تنزل …الغزيه لازم تنزل وعندما ترفض قناة الفراعين نزول احمد ازبايدر، يبدأ الرجال فى قذف القناه بالطوب والحجاره ومخلفات الحمير

هكذا كان حالى  عندما سمعت أشعار أحمد زبايدر التى أن دلت على شئ فإنما تدل على سلمية الثوره. بقاء احمد زبايدر حىّ يُرزق على نفس الأرض التى نحيا عليها هو دليل ملموس على أننا جنحنا إلى السلم . أللهم اخلع الرحمة من قلوبنا فى الثوره القادمه

رَقِم تَلِيْفُوْن آَخَر

قمت بتغير رقم تليفونى مؤخراً وحصلت على رقم آخر. الرقم الجديد كان يخُص شخصاً إسمه جونى. وما أدراك ما جونى، لقد عرفت الكثير عن الرجل من خلال المكالمات والرسائل النصيه التى كانت تصيبينى أحياناً بالذهول وأحياناً أخرى بالرعب الشديد .جونى كان كائن ليلى النزعه مُظلم الطباع حيث أن معظم مكالماته وإتصالته كانت تأتى فى الثُلث الأخير من الليل
آمنت أن جونى كان يشغل منصباً من تلك المناصب أو جميعها فى آن واحد: حرامى أو فى المافيا أو على الأقل قاتل بالأجر. كانت هناك رسائل عجيبه غريبه صعبة الفهم من عينة :
" جونى : فى شغلانه 5 ساعات بس مش هيدفعوا أكثر من 10آلاف دولار. كلمنى"
"جونى : قابلنى فى المطار الساعه 3 الصبح. نفس المكان"
"جونى: مفيش حاجه وصلت. حاول متظهرش اليومين دول"
مكالمات جونى كانت جميعها من أرقام خارج الولايه وبعض منها كانت دوليه . كان هناك مكالمات لا تُحصى من نساء ذوات أصوات ولهجات مختلفه! بعضها كانت عتاب على الفراق والآخر تهديداً ووعيداً.  وعندما كنت أرد عليهن ناكراً وجود جونى وشارحاً أن هذا رقم جديد قد حصلت عليه منذ أيام، كانوا يتهمونى بالكذب ومحاولة إخفاء جونى
الحق أقول أنى قد أعجبت بجونى هذا وأصبح بالنسبة لى بطل أسطورى فى عصر طغت عليه الواقعيه القبيحه والمعادلات المستحيله التحقيق والنوال. فحتى الشئ الخيالى الجميل الذى حصلت عليه منذ بضعة شهور فى أواخر شهر مايو الماضى بالتحديد قد ذهب ووليّ وأصبح واقع مرير لا أستطع أن أذكرة ولو حتى فى خيالى
من هو جونى الذى قهر قلوب العديد من النساء؟ من هو جونى المجرم الذى قرر فجأه إلغاء رقم تليفونه والإختفاء عن العيون التى بكى بعضها بدموع مخلوطه بكُحل اسمر من سُهد الفراق أوالعيون الاخرى التى  لا تنام وتبغى منه الثأر والإنتقام
تمتعت بالرد على مكالمات جونى والتلميح من وقت للأخر بأنى صديق حميم له آمالا أن يعرض على أحداً وظيفة العشرة آلاف دولار أو أن تطلب إحدى الفاتنات الوصل بعد  الهجران.
إستمرت هذه المغامره لمدة أسبوع، حتى جائت تلك المكالمة التى كنت دوماً أخشاها. رن التليفون فى منتصف الليل تقريبا وكان ذلك مبكرا بالنسبة لمكالمات جونى، رددت على التليفون آمالا أن تكون فاتنه من الفاتنات ولكن كان على الطرف الآخر صوت كريهه قبيح غليظ مهددا جونى بالقتل فى أقرب فرصه إذا لم يدفع ما علية من دين. أقسمت له بأغلظ الأيمان إنى لا أعرف المدعو جونى وأن هذا الرقم قد حصلت عليه منذ أسبوع أو يزيد. ضحك الرجل قائلا: محاوله جيده! أغلقت التليفون الملعون وجلست منتظرا النهار وبرائته حتى أتصل بشركة التليفون راجياً تغير الرقم أو إغلاق الخط!
هكذا أخذنى رقم تليفون جونى إلى عالم خيالى ملئ بالقتل والمال والنساء والمغامرات . فكرت قليلا فى جونى ونسائه ومامصيرهم الآن. وفكرت أيضا فى ذلك الشخص التعس الذي سيرث هذا الرقم من بعدى. ولكنى إبتسمت فجأه عندما تذكرت أنى الآن أملك رقم آخر جديد ومغامرات أخرى جديده.

صَانِعُ الْسُّفُنِ

حبيبتى يا سفينة نوح
خدينى للسما الزرقا
نقول ياروح مابعدك روح
يا ننجى يا نبقى م الغُرقاك
كان يدندن بتلك الكلمات التى كتبها غزلاً وهياماً فى المركب الصغير الذى يقوم بصناعته فى ورشة النجاره التى يملكها. ورث سماره الورشه عن ابيه الذى ورثها عن جده سماره الكبير الذى قام ببنا الورشه فى بدروم منزل العائله الذى يفصله عن بحر الاسكندريه سوى شارع ضيق صغير.كانت عائلة الحاج سمارة النجار الجّد من أكبر العائلات وأشهرها فى صناعة المراكب. عاشت العائله فى هذا البيت القديم الذى لم يعد له من ساكن سوى سماره الحفيد أو الصغير كما كانو يطلقون عليه ـ ووالدته الحاجه نحمده سليلة عائلات المراكبى. مات من مات وهاجر من هاجر ولم يبق سوى البيت القديم والورشه وقليل من الذكريات التى جمعتها براويز خشبيه على جدران الورشه. وقد أخفى منها الزمان ما أخفى بنشارة الخشب او بنسيان مصطنع
رفض سمارة الصغير العديد من العروض لبيع منزل العائله والورشه. وأيدته الحاجه والدته فى رفضه لهذا المبدأ قائله : " عيلة سماره النجار تشترى وما تبعش " وكان يعشق سماع كلمات كتلك من والدته، فالحاجه نحمده صاحبة فلسفه غريبه فى امور الرزق والحياه. كانت تستفضى له بالشرح والتحليل قائله : " البيع هو رمز الحاجه والإحتياج والمذلّه وغضب الرب على عبده! أما الشراء فهو الكرم والجود ورغد العيش ورضا الرب على عبده
لم يستطع سماره الصغير مناقشة والدته فى هذا المنهج والمنظور. وكيف له هذا وهو من ورث عنها الفلسفه فى كل شئ حتى صناعة المراكب. كانت تطلب منه أن يستيقظ مبكراً مع إشراقة الشمس الأولى لفتح الورشه. فالشمس تجلب الرزق الوسيع لكل من قام ورّحب بها وآنيس من نورها قبسا.
يفتح الشاب شبابيك الورشه آذناً لهواء البحر النقى بالدخول لقتل كل ما هو آثم وخبيث ويأمر بميلاد يوم جديد ، سعيد. ويلقى بنظره الى سفينة نوح، تلك المركب الصغيره التى بدأ فى صناعتها لنفسه منذ سنوات ولّت ولكنه غير قادرعلى إنهاء ما قد بدأ . إبتسم إبتسامة عاشق يأس وآثر الصبر والمشقه. كتب فيها من الأغانى بضغه ومن والخواطر ما كثر. كان يتحدث إليها ويسمع منها. يشكو حاله ويجد فيها سلوته وسؤاله.
لحّت عليه والدته مراراً وتكراراً بأن يتزوج : " أنت ما بقتش صغير يا سماره. زمايلك عندهم عيال فى البحريه ." وكان سماره يرد عليها رد الإبن الحليم البار : " إن شاء الله يا حاجه . بس أخلّص سفينه نوح الأول " وكانت الحاجه والدته تعتقد أنه يقوم بصناعة مركب جديده للحاج نوح البورى تاجر الاسماك الشهير فترد عليه قائله : " هو مش لسه واخد واحده من كام شهر؟ ربنا يفتحها عليه كمان وكمان ويقويك يا ابنى "
تذداد الإبتسامه إتساعاً على شفتى النجار الشاب عندما يتذكر كلمات والدته، ويضطر إلى معاتبة سفينه نوح :
ماذا بك يا سفينة نوح؟ أجفاء هو؟ إي وربى إنه الجفاء. لما أعجز عن إنهائك وأنا وأجدادى قد ملأنا البحر سفنا. أم أنه الخوف من البحر الكبير؟ لوكان جفاء، فكيف لكى هذا وأنت لم تجدى منى إلا الوصل الوصال. وإن كان خوفاً من البحر الكبير، فاإعلمى إن للبحر قلب أكبر منه ووسعت رحمته السمك والصدفات فكيف له أن يقسو على مركب صغير.
أقسم لك والبحر على ما أقول شهيد أنى لن أجبرك على الفراق ولو وددتى البقاء هنا العمر فما أطيب صُحبتك وأعطر من ريحيك. ولكن للحياة سُنن والفراق إحداها. فبرغم الوصل ليس لك سوى البحر وموجات خلاً ورفيقا

عَزِيْزَى الْمَوَاطِن ..مِن فَضْلِك سَوْق الْهَبَل



لم ينجح القمع والاعتقالات العسكريه. لم تنجح الاكاذيب التى يبثها الاعلامى الحكومى البغيض فى تخويف الشعب وإرهاب شبابه .. لم ينجح إصبع الفنجرى وإشاعات الروينى . لم تنجح اساطير عمرو مصطفى وأشعار احمد زبايدر وبيتزا عفاف شعيب. لم تنجح دموع محمد فؤاد وآثام طلعت زكريا ، لم تنجح نهنهة تامر بتاع غمره
لم ولن ينجح كل ما سبق لإرجاع الشعب عما كان عليه من ذُل ومهانه وعهد مضى . ولذلك يقوم المجلس بتجربة شئ جديد ألا وهي الجنون. المجلس العسكرى أمر العسوى بأن يقول من الاساطير ما لم يرد فى صحف الأولين . وكذلك أمر عصام شرف بأن لا يظهر من غير مُحرم وأو من خلف حجاب. فهو كالعذراء البكر الخجول
المجلس العسكرى لم يقدر على الشعب فأراد ان يصيبه بجنون غباء القرارات
وانا من منبرى المتواضع هذا ادعو الشعب بجميع فئاته وطوائفه أن يستجيب لنداء المجلس العسكرى
عزيزى المواطن ..عزيزتى المواطنه ..من فضلك سوق الهبل

! صَدِيِقِىَ إِبْلِيْسَ

أعرف جيدا أن إبليس يستمع بعناية وإهتمام إلى أجزاء عريضه من حياتى. يتعلم منها أحيانا ويكتسب خبرات ومواعظ لم يكن له به علماً أو سبيلاً. وهناك أمور أخرى تصيبه بالدهشه والحيره وعدم الإتزان
يذهب لمن أوسع منه علما وأرفع مقاماً فى عالمه الشيطانى سائلاً الهدايه والنصيحه. أجده جالسا يدخّن بشراهه، يُقلّب أوراقه ودفاتره القديمه يزيح عنها تراب وذنوب قرون قد خلت. ولكنه يجد مشقه وعناء فى إيجاد تفسير لما يدور بخاطر تلك الرأس البشريه
إنه الإنسان عزيزى إبليس ! نحن من ترك الجنه والنعيم الأبدى و آثرنا الحياة الدنيا ... فأهلاً بك

!يَا إِسْكَنْدْرِيْهُ ... لامُوْكَىْ الْعَوَازِلْ

حضرات الساده الأفاضل ..حضرات الساده الكرام .. معاً ومن أشجع بقاع الله فى أرضه .. فراشة أولاد الحدينى أبو لطعه بالبيطاش ترحب بكم وتقدم لكم الحفل الساهر
لأفراح عائلات الهجام وأبو داغر بالعصافره وسيدى بشر قبلى والدخيله وحجر النواتيه والورديان ومينا البصل وجبل نعسه و ترحب بكل واحد حضر وآنس وشرّف جمعنا السعيد كله
يعنى إيه؟ يعنى :
اللى يحبنا يضرب نار
واللى فى جيبه صاروخ يولعه
واللى معاه سيف يطلعه
واللى يصحى بدرى بكره .. يشوف له قسم بوليس يولعه
يا مطوتى على ّ على ّ .. بالدم غطينى
يعنى إيه؟ يعنى :
يا إسكندريه لاموكى العوازل
وبعون السميع القدير ..راح نعملو لهم جدار عازل
يعنى إيه؟ يعنى :
البحر بحرنا ..و الرمل رملنا
واللى ليه شوق فى حاجه وجاى يعكر صفونا
المالح غاوووووويط.... والناصر ربنا
يعنى إيه؟ يعنى :
بحبك بإستمرار ..بحبك طول العُمر
و الإتحاد سيد البلد
ولا زمالك ولا شياطين حُمر

هكذا بدأ شاويش المسرح بهذه المُقدمة التى دمعت لها أجفان الحضور وتراقصت على نغماتها المؤخرات والصدور. كان ذلك فى بداية هذا الفرح التاريخى الذى لا يتكرر إلا فى كل مائة عام. جلس الدكتور محفوظ الأنصارى جرّاح القلب الشهير على مقعده فى كل أدب وخشوع و كأنه يوم الزلزله. كان الرجل فى حالة ريب شديد عن ما يحدث. أهو واقع ملموس وحقيقة يراها ويسمعها؟ أم أنه حلم ودرب من دروب الخيال

شاويش المسرح الذى لا يمكن رؤيته إذا وقف خلف إحدى مُكبرات الصوت التى لم ير الدكتور لها نظيراً من قبل وهو من قام بإلقاء المحاضرات والندوات لآلاف من الحضور مستخدماً أحدث الأحهزه وأكثرها تطوراً ولكنه لم يعرف من قبل اليوم أن وجود مكبراُ للصوت بهذا الحجم العملاق هو أمر هيّن ويمكن للصنف البشرى إنجازه . وتسآل الدكتور لماذا يحتاج شاويش المسرح مكبراً للصوت وهو صاحب الصوت الجهير الذى يبعث فى النفوس ضيقا وفى الصدور حرجاً
جمع شاويش المسرح كل قواه فى شنب لم يمسسه حلاّق منذ نشأته الأولى ويرتدى قميصاً به جيمع الألوان التى عرفها أشهر الرسامين فى العالم. لم يتأكد أحداً من نوعية الخامه التى صُنع منها القميص ولكنه به من اللمعان ما يكفى لإضائة صحراء مصر الغربيه فى ليلة شتاء قارص

نظر الدكتور محفوظ على المائدة التى وُضعت امامه، ليجد أصنافاً من الحشيش تكفى لإعدام مدينه بأكملها ووجد جبال صغيره من الحبوب المُخدرة التى عجز عن تحديد هويتها وهو العالم بالطب وأدويته ودراساته. على يساره وجد صندوقين من البيره توارا خجلاً تحت أكوام من الثلج الأبيض. وعلى يمينه وجد شئ لم يستطع معرفته من الوهلة الأولى إلا بمساعدة ذلك الطفل بلاميطه الذى تم تعينه خصيصاُ لخدمة الدكتور وتلبية طلباته
سأل بلاميطه الدكتور محفوظ بلهجه فيها شئ من السخريه وبعض من الإستحقار : دى شيشة يا أستاذ. عُمرك ما شفت شيشه قبل كده
أجاب الدكتور محفوظ بكل أدب وخوف : لا طبعا شفت شيشه قبل كده بس دى شكلها غريب شويه
رد بلاميطه عليه وعلى وجهه إبتسامه العالم ببواطن الأمور : آه دى شيشه عموله ..عملناه فى البيت عشان الكيف يطلع على النافوخ علطول 

بدأ شاويش المسرح فى التمايل والتراقص وكأنه عود لولبى يختفى وسطه وعظامه وتظهر عند الحاجه. حقد الدكتور محفوظ عليه وتذكر آلام الظهر والغضروف التى يعانى منها منذ سنوات. ثمة شئ ما سيطر على الفرح التاريخى عندما بدأ شاويش المسرح فى تقديم فقرات الحفل، آلا وهو أن لا أحد يجلس فى مقعده نساء أو رجال ! الجميع يرقص بإرادته أو بإرادة البيره والحبوب البيضاء فكانت كلمة الدخان الأزرق هى العُليا وكلمة العقول والمنطق هى السفلى

حاول الدكتور محفوظ أن يختلس نظره على المسرح آملاً أن يرى العريس وعروسه ولكن هيهات، فهناك من الراقصات عشره يحتلن   المسرح ولا يرتدين من الثياب إلا قليلاً. وبعد مشقه ليست بالقليله ، لمح الدكتور العريس يتراقص وبيده آلة حاده عرف فيما بعد أنه سيف وقد صُنع خصيصاً لهذه الليله المباركه ! و كانت عروسه تراقصه وفى كل يد من يديها زجاجة بيره

سرح الدكتور بخياله مع مشهد العريس بسيفه والعروسه بزجاجات البيره , وتذكر كيف تمت دعوته لهذا الفرح الذى لا غنمة له فيه ولا بعير. تذكر الدكتور محفوظ عيادته الشهيرة منذ شهر مضى عندما دخل عليه رجل ضخم الجثه إسمه المعلم محمود أبو داغر تاجر المخدرات الشهير ومعه من الرجال عصبة مخيفه
كان المعلم أبو داغر يشكو من القلب وأوجاعه وإنه لم يعد يستطع تدخين قرش حشيش بمفرده كما كان حاله من قبل
قام الدكتور بإجراء جراحه عاجله لتغير صمامات القلب وأمر المعلم بالإبتعاد عن التدخين نهائيا. بعد أن تمت الجراحه بنجاح شكره المعلم بحراره ودعاه لحضور حفل زفاف إبنه الأصغر. وكما كان يتذكر  الدكتور، أن الدعوه لم تكن دعوه بالأمر المُتعارف عليه ولكنها كانت فى لهجه الأمر الواجب النفاذ. ووقتها، نظر الدكتور للمعلم ورجاله ولم يمكن بوسعه إلا قبول الدعوه مغصوباً مضطرا

لم يستيقظ الدكتور من سرحانه وخياله إلا عندما سمع صوت إستغاثه وصراخ من بعض الحضور : دكتور يا إخوانا ..دكتور يا إخوانا. الحقونا يا هووووه
نسى الدكتور محفوظ لبضعة لحظات أنه طبيب . وماذا يفعل الطبيب فى فرح كهذا
اقتاده رجل من أعوان المعلم أبو داغر إلى المسرح حيث وجد العروسه ملقاه على ظهرها والدماء قد غطت فستانها الأبيض. لم يسأل الدكتو عما حدث إلا بعد أن أجرى لها بعض الإسعافات الأوليه وطلب سيارة الإسعاف لنقلها الى المستشفى والإطمئننان عليها
كان العريس يتراقص بالسيف أمام عروسته و فى عز النشوه و لم يدر إلا والسيف يقطع أذن زوجة المستقبل ويفصلها تماما عن وجهها

شكر المعلم أبو داغر الدكتور محفوظ وشد على يديه قائلا : مش عارفين نودوا جمايلك فين يا ضاكتور.. مكتوب لك تعلاج وتداوى أمراض أولاد أبو داغر
رد الدكتور قائلا : لا شُكر على واجب يا معلم.
أثنى المعلم على رد الدكتور قائلا : وعشان كده يا ضاكتور لازم تحضر حفلة طهور إبن بنتى شلبايه الأسبوع اللى جاى.. لازم ..ماشى يا ضاكتور. إحنا عاملين له حفلة بسيطه كده زى بتاعة النهارده
تبسم الدكتور محفوظ من أعماق قلبه هذه المره وبدون غصب أو إضظرار أوخوف  من أعوان المعلم وقال : بكل منون يا معلم.. ده شئ يشرفنى أن أحضر حفلة الطهور

فك الدكتور محفوظ رابطه عنقه ومشى قاصداً كورنيش البحر فى هذه الساعة الساحره من اليوم عندما يبدأ ظلام الليل فى التلاشى خجلاً أمام جبروت الشمس وأشعة الصباح الذهبيه. 

مِرْسَال لِلْبَحْر

صديقى إبراهيم البحر
فبرغم بساطة الأحلام المُتمثله فى شنطة سفر وتذكرة طيران، إلا أن الواقع أكثر عُمقاً وأشد تعقيداً وكلفه. لم تعد نيويورك تلك المدينه التى عهدناها معك وبك. مجرد القيام مُبكراً لتناول فنجان القهوه الإيطالى مع سيجارة الصباح فى ذلك المقهى الصغير لم يعد بالأمر الهيّن. مُتعة سؤال النفس عن ما سيتم تناوله فى الغذاء أصبحت حيره قاتله وأمر بغيض
فى يوم سفرك، ضرب المدينه زلزال ! ولا يتذكر أحد هنا على قيد الحياة متى كانت المرة الأخيرة التى شهدت فيها نيويورك زلازل. وبعد رحيلك بأيام قليله، يضرب إعصار هائج السائل الشرقى باكمله ! أهى ما تبقى من الثوره؟ أهى الأرصاد الجويه؟ أم أن الأرض والسماء قد غضبا معنا لفراقك
أعرف أنه سبتمبر فى الإسكندريه حيث رحل الدُخلاء والمصيفون من حيت أتو آسفين نادمين. وأعلم تماما أنه قلما وُجد الآن سياره على كورنيش البحر تحمل أرقام " ملاكى القاهره " وكم بعث ذلك البهجه فى النفوس والراحه فى القلوب التى ملأتها عُنصرية حب الإسكندريه .وأعلم جيدا يا صديقى أنها ساعة الغروب الساحرة، عندما تتراقص أشعة الشمس الذهبيه على سطح البحر فى رشاقة ودلال راقصة درجه ثالثه فى كازينو الشاطبي
عزّ علىّ الفراق عندما تركتنى وحيدا مع خالد القبطان حيث كثرت المحظورات ونذُر كل ما هو مُباح :لا للكوارع .. لا للممبار .. لا لحمة الرأس ..لا للفشه
لا يوجد سوى السلطة الخضراء وصدور الفراخ المشويه وماشابهها من مؤكولات لا علاقة لها بالضغط والكلسترول
ها هى ذا لافتة " لا للتدخين " المُعلقة على أحد جدران غرفة  المعيشه التى طالما سخرنا من مجرد وجودها فى هذه الغرفه. اليوم تنظر اللافته  إلى نظرة فرعون يوم الزينه قائله : لمن المُلك اليوم

أجدك الآن تتمشى فى شوارع زنانيرى  العتيقه ترتدى ذلك الشورت الذى يأست من معرفة لونه الاصلى وذلك الشبب الذى يخفى القليل من أصابع قدميك، تتأمل العيش الطازج والسردين الأخضر وتنعم بروائح كل ما هو مشوى ومقلى وضار جدا بالصحه. وفى المساء قبل العوده إلى المنزل تذهب إلى البن البرازيلى لشراء ذلك الصنف النادر الوجود وتعود سالماً إلى سيدى جابر الشيخ. تنعم بفنجان القهوه فى البلكونه مع سيجارة يعلم المولى وحده ما بها وعليها. وقبل النوم تقرأ قصيدة مش باقى منى النادرة التكرار لجمال بخيت التى أضفت عليها الكثير من تأليفك أنت

لا داعى أن أستمر فى كتابة تلك الكلمات وأنت ببواطن الأمور عالماً وحكيما. فأنا لست بالحاسد الحقود ولكنه الفراق وبعد المسافات يا صديقى .
لك من قلبى السلام، ولمصــر الحُب كله