حكايات صاحب البغلة




(1 ) - فضالي و البغلة

هذا ما كان من أمر فضالي، فبعد أن اعتلى ظهر بغلته العجوز التي تتدلل عليه دلال الزوجة لزوجها. وبدأ فى ركل جنباتها بقدميه الحافيتين متناسيًا ما بينهما من عِشرة ، رأى قرص الشمس الذهبي يغطس فى بحور البرسيم الخضراء المترامية بعيدًا على مرمى الشوف. سُحر فضالي من مشهد الشمس المهيب وبقايا الاحمرار الذي طلى الحقول بلون غريب. ولكن كيف للشمس أن تسحره وهو الذي قضى حياته يشكو من حرارتها التي حرقت قفاه بلا رحمة لعقود طويلة؟ نزل فضالي من على البغلة كالمسحور قاصدًا قرص الشمس الذي كان أسرع منه فى المغيب. جرى فضالي يضرب طين الأرض بالشقوق التي انتشرت فى كعوب قدميه حتى يلحق بذهب السماء.

أدبر الليل وأسفر الصبح مرّات عديدة ثم ذبُل البرسم وغيرت الحقول لباسها ولم يُسمع لفضالي صوت أو يأتي من طرفه خبر. لم يكن غياب فضالي أمر ذو شأن فى القرية. فهو دائم الغياب ودائم العودة إلا أن هذه هي المرة الأولي التي يترك فيها البغلة التي جسّدت له كل تعاريف الأسرة والعائلة. بعد أن طال فراق فضالي، لم يجد أطفال القرية من يمزحون معه بإلقاء الحجارة عليه فى العودة والمجيء. ذهبت البهجة من مقهى عاطف الخُولعي وخلت غرفة الدش الأوروبي من الضحكات. أقسم إمام المسجد أن البركة قد ولّت مع هروب فضالي. ومع غياب فضالي، زادت الأساطير التي تُتلي من نساء القرية اللواتي يُقسمن بأن لفضالي عضو ذكري أطول من ليل المظلوم وأقوي من إير شيطان أشر ولذلك لم يتزوج: - من ذا التي تستطيع تحمل شيء كهذا!
صرخت هنية ذات أصيل وهي تضرب ملابس أسرتها على حجر ضخم على شاطئ الترعة بينما تغسل نسوة أخري المواعين
ردت عليها سوسانة إمرأة الخُولعي صاحب المقهي:
- بغلته أكيد هي التي تستطيع تحمله. فهي معه لم تشتك يوما
قالت شواهي إمرأة مشمش بائع البيرة فى حسرة:
- يا بختها، ومن تلك التي تشكو خير مثل هذا
تضحك النسوة على كلام شواهي وسوسانة وهنية وتخجل الصبايا اللاتي لم يرن عضو ذكري من قبل وفى النهاية يؤمن الجميع بكلام هينة التي لا يستطيع أحد تكذيب كذبها. لن تستطيع امرأة أن تسأل هنية عن مصدر معلوماتها ولكن إير فضالي كان جزء مهم من حكايات النساء عند حجر الغسيل وكانت النساء ترغب فى تصديق شيء كهذا خصوصًا شواهي.
أين ذهب فضالي؟ هل هانت عليه صديقته البغلة من أجل ساحرته الشمس؟ كيف لحقول البرسيم أن تبلعه وهو العليم الخبير بخباياها....
---------------------------
الجمعة القادمة الجزء التاني:
(2 ) - مشمش فى مقهى الخولعي وبيرة الشيخ زغاوة "النصف أعمى"

No comments: