يراقصني القلق

يراقصني القلق في رشاقة على وتيرة ثابتة. أتحايل عليه لدقائق وأرفع رايات النصر كما لو أن الحياة بُعثت من جديد للحظة عابرة ثم تختفي. مثل لعبة القطة والفأر، يغيب القلق ويعود. في اللعبة ينتصر الفأر الصغير دائمًا وسط ضحكات وتشجيعات الصغار. في الواقع الجميع مهزوم. الحياة حرب كبيرة لا يوجد فيها منتصر!

الشعور الرمادي الذي يجعل السماء منخفضة حتى تكاد أن تصعكك السُحب. بالأمس بدت المشكلة كبيرة لكن مشكلة اليوم جعلت مشكلة الأمس صغيرة وفي كل يوم تزداد الأحجام وتتنوع الأشكال. كيف لمصائب اليوم أن تُهوّن مصائب الأمس؟ وهكذا لا يوجد في الأفق ضياء.

قليل من الكذب

كنت أوّد أن اصرخ في جاك وأقول له أنه لابد من بعض الكذب حتى تستمر الحياة يا جاك لكنى لم أفعل. قيّدني جاك بنظرةٍ تحثنى على الإنتظار والسماع لشكوى جديدة بطلها زميل له. 
لم أخيّب رجاه مثلما فعلت شمس هذا النهار عندما تركت السماء تتلون باللون الرصاصي القاتم. وقفت استمع لجاك يرص كلمات لن يعلو بها بحوار ولن نُشيّد من حروفها حكاية. لا يوجد أي هدف سوى الشكوى. 
لم يعرف جاك أن الإنسان يتوارث الأحقاد وهو أحرص عليها من الذهب والفضة. لا توجد مثالية يا جاك، أنت أسوأ ممن تشكوهم لي. ينظر الإنسان إلى الإنسان بعين العداء. يحترف البشر النيل من أنفسهم ويجيدون مهارات الفتك والإيذاء. ربما لم يعلم جاك أن الصمت وادعّاء الجهل سبيل من سبل النجاة في هذا العالم. لن تغير الشكوى أحد يا جاك إلا من يريد أن يغيّر نفسه

هذه الأيام

تلفظ هذه الأيام أسافل الناس إلى المقدمة. في القاع، لا يوجد موقع لقدم.
كنا نقول عن ماضٍ قريب: لن يكون هناك زمنًا أسوأ مما نحن فيه (حينها). والآن يُرينا الزمان عجائب قدرته، يخرج لنا لسانه في تحدِ صبياني غير متكافئ.
مثل عفريت العلبة، نُخرج رؤوسنا طمعًا في شهيق من الهواء النقي، وقبل أن يخرج الزفير من صدورنا، تهبط على أدمغتنا مطرقة مهولة تعيدنا مرة أخرى إلى القاع.
تجسّدت المطرقة في أشكال مختلفة: لقاءات تأجلت، ندم شيّدته التأجيلات، كلمات هربت قبل أن نقولها، فعل ولا فعل، لا مبالاة على خسائر لا يمكن حسابها، يترصد الناس بعضهم بعض لأدنى هفوة، نحتكر رحمة الإله ونوزعها على أهوائنا 
نألف القاع الخالي من الهواء، ننتظر أحداث لن يكون لنا رأي في صياغتها، فقدنا أصدقاء لأسباب مختلفة، نرى العالم ينتهي-والزمان يدوس علينا بحذائه القذر- دون فرصة لوداع من نحب
إذا كان الموت في مجملة (انقطاع)، فبالتأكيد حياة هذه الأيام هي شكل آخر من أشكال الموت.