إيقْاعَاتْ الْمُمْرضة اللعُوُبْ

(1)
فى المستشفى، جلس على فراش المرض فى غرفته الزجاجيه الأنيقة التى تقع فى حىّ راقى فى تلك المدينه التى لا تنام. ملأت الأجهزة الطبية وأسلاكها الغرفه التى لم يبق بها من مكان غير تلك المساحه الضيقه التى تسع لمقعد واحد ربما أتى زائر أو صديق.
لم يعرف ما ذا تفعل هذه الأجهزه التى عُلّق بعضها فى وريده الضعيف. و ما هى المهمه الحياتيه التى تقوم بها. وكيف له أن يعرف وهو من يجهل ما به من شكوى و أوجاع. ولكنه لم يجد مفر من التفكير فى هذه الأجهزه المحيطه به وما يدور حوله من أحداث. فهو لا يملك أى شئ سوي الوقت والإنتظار. فقرر أن يحل لُغز الأجهزه و لكنه سُرعان ما أصابه اليأس وعدمم الإهتمام عندما وجد أن ألوان الأسلاك تنحصر بين الأبيض و الأصفر و الأسود وقد خلت من اللون الأزرق و هو لون البحر الذى يعشقه.

(2)
كانت غرفته تقع فى ركن إستراتيجى حيث كانت تطل على مكتب المُمرضات و الكافتريا التى يستخدمها الزائرون ويهرب إليها العاملون بالمستشفى. هذا الموقع الإستراتيجى جعل من غرفته مركز حيوى لتلقى الإبتسامات والتحيات والنظرات التى كان معظمها شفقه وبعض الدعوات بالشفاء العاجل. ولكن الشفاء من ماذا؟؟
تذكر والدته وكلماتها الخالده عندما كانت تقول بأنه كلما زادت الشعرات البيضاء فى رأس الطبيب، كلما زادت خبرته وحنكته الطبيه. وعنئذ دخل الغرفه طبيب شاب طويل القامه رياضى المظهر يصلح أن يكون ممثل أو مطرب مغمور. تجاهله الطبيب المغمور و نظر إلى لوحه معدنيه صغيره مُعلقه فى نهاية السرير فيها تفاصيل الحاله المرضيه و آخر تطوراتها. قرأ الطبيب المغمور ما باللوحه من تفاصيل بنظرة الخبير العالم ببواطن الأمور. ولكن كيف له أن يكون عالم أو خبير و شعره أسود من ليل المظلوم ولا يحتوى على شعرة واحده بيضاء. وقع الطبيب الشاب على اللوحه ووضعها مكانها دون أن ينظق بحرف واحد.
(3)
جلس المريض يتابع و يتأمل الحياه الماضيه خارج غرفته الزجاجيه بدون توقف. يتابع الممرضات يتحدثن لبعضهن فى ودّ و أُلفه. يتكلمن عن أى شئ وكل شئ عدا المستشفى و المرضى. يسمع واحده تتحدث عم أشترته من ملابس داخليه بسعر زهيد. و أخرى تتباهى كيف أنها جربت وضع جنسى جديد مع صديقها الذى يصغرها بأعوام. يقلب البصر ليرى زائر فى يده ورود و آخر فضلّ الحلوى و الشيكولاته. يرى الدموع و الإبتسامات و القلق و الترقب يملأ عيون مختلفة ألوانها. و تستمر الحياه خارج الغرفه و لا يقطعها سوى  رنين التليفون بين الحين و الآخر. لاحظ أن هناك ممرضه مسؤوله عن التليفون، تقوم بالرد عليه قبل الرنه الثانيه. كانت مسؤولة التليفون لا تبتسم كباقى الممرضات و لكنها جمعت كل تركيزها فى التليفون و رسمت على وجهها الذى يحتوى على حاجب واحد عريض نظرة الجد و الحزم  و المسؤوليه.
(4)
تقطع أفكاره طبيبه شابه تدخل غرفته قاصده نفس اللوحه المعدنيه المُعلقه فى مؤخرة السرير. كانت أصغر من طبيب الصباح سناً وكانت تخفى صغر سنها بنظارة طبيه تأكل نصف وجهها الصغير. كانت شقراء الشعر خاليه من شعرات الخبره  و الحنكه البيضاء. إبتسمت إبتسامه غير طبيعيه و سألته بصوت طفولى: كيف حالك اليوم؟ أجابها بأنه على مايرام ولا يشعر بأى سوء. قامت بتوقيع اللوحه و تركته بدون أن تعلق على حالته
(5)
كانت الفتره المسائيه أقل حياة خارج الغرفه و لكنها أكثر إثاره داخلها والفضل فى ذلك يعود إلى تلك الممرضة الفاتنة اللعوب التى كانت تعمل بمفردها فى هذه الفتره من اليوم. كان عندما يسمع خطواتها خارج الغرفه يبدأ قلبه فى التراقص مع خطواتها التى كانت نتاج ساقين أطول من صبر أيوب و فخذين من المرمر. لم تستطع بدلتها البيضاء من إحتواء هذين النهدين اللذين وقفا بكل عزة و إفتخار يتحدين كل ناظر آثيم.
كانت تأتى إلى غرفته كل مساء لتغير المحلول المُعلق فى وريده. وبرغم أن العمود الحديدى الذى كان يحمل المحلول يقع على يسار السرير، إلا أنها كانت تُفضل أن تغير المحلول من الجهه اليمنى. وكان ذلك يستدعى أن يتمتد جسدها على عرض السرير حتى تصل إلى المحلول بسلام و آمان. و نتيجة هذا الإمتداد هو ملامسة نهديها لجسده الضغيف لتبعث فيه حرارة الحياه التى يفتقدها و لم يعد يفكر فيها منذ فترة.
لم يعترض على طريقة تغير المحلول إطلاقاً وفكرّ جدياً فى إيجاد طرق جديده للتخلص من المحلول بطريقة أسرع حتى تأتى ذات النهدين لتغيره
(6)
بعد أن تنتهى من مهامها الطبيه التى تبعث الدفئ و الطمآنينه فى أجساد بعض المرضى، كانت تأتى إلى غرفته تسامره و تحاوره و تتحدث معه عن الحياه التى أسائت معاملتها مرات ليست بالهيّنه. لم يكن هو بالشخص الذى تنبعث منه آلاء التفاؤل و إشارات الأمل . فكان يزيد همومها هماً و دموعها دمعه. يجلسان سوياً يلعنا الدنيا و الحياه و الأسره و الإرتباط و المسؤوليه و المستقبل المجهول لكل منهما. كان يعلم فى قرارة نفسه أنه لن يراها مرة أخرى عندما يغادر الغرفه الزجاجيه حياً كان أو ميتاً. ولذلك لم يخف عنها سراً ولا شكوى, و هى كذلك قالت له كل ما جهله غيره عنها و كذلك ما تخفيه النهدان العظيمان من أسرار و مغامرات.
تقطع إشراقة الشمس الأولى حوارهما الذى يتلاشى ورعاً وخوفاً من صوت الممرضه ذات الحاجب الواحد التى صرخت من أعماقها لأن شخص ما قد عبث بالتليفون المُقدس و غيّر مكانه الذى عهدته. فقد زلزلت خطواتها العسكريه سكينة  المكان و أعادت الحياة الصباحيه الرتيبه إلى وهلتها الأولى
(7)
ذهبت ذات النهدين إلى منزلها طامعة فى بعض من الراحه و قليل من النوم. و جلس هو وحيداً مع أصوات الأجهزه وأسلاكها التى ملأت الغرفه. إنتظر مليّاً أن يدخل عليه الطبيب المغمور أو الطبيبه صاحبة الصوت الطفولى ليتفحصا اللوحه المعدنيه كالعاده، و لكن لم يظهر أى منهما طوال اليوم.
وفى مؤخرة النهار، دخل عليه طبيب جديد لم يره طيلة مدة إقامته فى المستشفى. كان شعره الأبيض دليل واضح على خبرته و حنكته الطبيه التى طالما وصفته له والدته. دخل الطبيب قاصداً اللوحه المعدنيه التى تحتوى على الأسرار . نظر إليها الطبيب وأطال النظره ووقّع عليها بعد قراءه شامله لما تحوى . نظر إلى المريض قائلا: أنت بكل خير و يمكنك مغادرة المستشفى اليوم!
فزع المريض من مرقده مُستنكراً :أنت متأكد يا دكتور؟
أجابه الطبيب : نغم و بكل تأكيد
سأله المريض فى لهجة بها حسرة و إنكسار: و ماذا عن المحلول يا دكتور؟؟

1 comment:

raafatology said...

شكرا على الزياره الكريمه
اولا : ده مش مقال..ده قصه كتبها الخيال فى اطار ادبى. فى فرق كبير جدا بين المقال والقصه القصيره
المكتوب هنا ليس بغرض تعريف مهنة التمريض او الهجوم عليها
ثانيا: اى مهنه واى شخص يمكن نقضه حتى مهنة التمريض الساميه
ثالثا: هناك ممرضات عربيات اسوأ حالا من بطله هذه القصه
رابعا: انا اكره جدا من يأمرنى بكتابه شئ ما او أن لا اكتب شئ ما.
هو قلمى وهذه مساحتى اكتب ماشئت انّا شئت

تحياتى