يقول لويس عوض:
(وقد ظللت على خشوعي أمام عبقرية العقاد رغم ندرة ترددي على صالونه حتى صيف ١٩٣٧، حين حدث شيء جعلني أراجع بعض أفكاري عنه فحين قررت الجامعة ايفادي في بعثة إلى كامبريدج للبحث في الأدب الانجليزي توطئة لقيامي بالتدريس فيها عند عودتي، قررت أن أزور العقاد قبل سفري من باب الأدب لإبلاغه بهذا التطور الهام في حياتي ولطلب النصح منه بشأن دراستي المتخصصة هذه، وقد كان.
قلت للعقاد إن الموضوع الذي قبلت جامعة كامبريدج تسجيله لدرجة الدكتوراه هو تقاليد التعبير الشعرى في الأدبين الانجليزي والفرنسي» باختصار: إن رسالتي سوف تكون حول «لغة الشعر». كذلك قلت له إن كليتي في إنجلترا قد اختارت الأستاذ چورچ راينلاند ليكون مشرفا على رسالتي. George Rylands
وإذا بالعقاد ينفجر في سيل من السخرية المريرة التي سببت لي ألما شدیدا . قال: «ولماذا تضيعون الوقت على هذه الموضوعات المنعزلة عن الحياة؟ لماذا لا تكتب رسالة في موضوع: نداء الباعة في الشارع؟ إن نداء الباعة فيه دلالات تعرف منها خصائص كل أمة. يجب أن تكون الأبحاث الجامعية أقرب إلى الحياة الواقعية»..
وحملقت فيه دهشة لأني لم أتصور أنه كان جادا في كلامه وحسبته يسخر منى. ومع ذلك فقد وجدته يتكلم في جدية مطلقة. ولم أدر ماذا أقول فذكرته في أدب أن الجامعة تعدني لأكون مدرسا للأدب الإنجليزي فلابد أن تكون أبحاثي كلها متصلة بالأدب الإنجليزي، فأخذ يهاجم الجامعة والجامعيين، ويتهمهم الانفصال عن الحياة. ولم أفهم مبررا لهذه الحملة على الجامعة والجامعيين في غير مناسبة، فازداد استیائی وازدادت حيرتي. ووجدت من العبث أن أجادل العقاد في شيء من ذلك، فانصرفت كاسف البال. كان ذلك في سبتمبر ۱۹۳۷، وكانت هذه آخر مرة زرت فيها العقاد. ولم أره بعد ذلك إلا غرارا مرة كل عام أو عامين فقد كنت التقى به في مكتبة الانجلو المصرية حيث كان يحب أن يجلس مع صاحبها صبيحي جريس الذي نشر له أكثر كتبه بعد خروجه من الوفد. فكنت دائما أحييه في أدب وأتبادل معه عبارات قليلة
وكنت أعلم أن العقاد كان لا يحمل حبا كثيرا للجامعة والجامعيين. وكان في كلامه لا يخفى زرايته بالجامعة. وكنا نعزو غضبه على الجامعة إلى أنه لم يكن يحمل إلا الشهادة الابتدائية ولعله كان يتمنى أو ربما حاول أن يكون أستاذا في الجامعة ولو بالانتداب ولكن التشدد الجامعي المعروف في المؤهلات الشكلية حال دون ذلك. وقد قرأت في بعض الكتب عن العقاد أنه كان يعلّم في الجامعة وهو كلام جهال أو أفاكين من دراويش العقاد، فالعقاد لم يحاضر ساعة واحدة في الجامعة لاحظ أن بعض دراويش الأفغاني ينسبون إليه أنه علّم في الأزهر، وهو ما لم يحدث بتاتا). ومع ذلك فقد كان ما برأس العقاد من العلم يربو على علم خمسة أساتذة مجتمعين من تخصصات مختلفة.)