أَوَلًادْ اَلَحَاجْ عِزَتْ

(١)
بدأ حياته ميكانيكى تبريد وتكيف فى إحدى ورش الإسكندريه القديمه فى برج العرب عندما كانت المنطقه صحراء جراداء. عاش فى شقه قديمه بالعصافره لا يوجد بها من الأثاث غير كنبه بسيطه. كان حظه من التعليم مثل حظه من أثاث شقته فلم يحصل إلا على دبلوم صناعة قسم تبريد وتكيف. كان يعمل فى الصباح فى الورشه وفى المساء يدور على البيوت لتصليح الثلاجات فى المنازل. جدّ فى عمله وإحتهد حتى حصل على محل صغير فى سيدى بشر قبلى ، فتحه ورشه خاصه به لتصليح الثلاجات و أجهزة التكيف المنزليه. تزوج من زوجه طيبه. إهتمت به وصبرت معه وقامت برعايته ورعاية بيت الزوجيه البسيط حتى كبرت الورشه وتوسعت. أصبحت الورشه مصنع صغير وكبر المصنع وأصبح مصنعين. كثر المال والبنون‬‫ . رُزق الحاج عزت من البنين ثلاثة. لم يهتم الحاج بتعليمهم وما فائدة التعليم ؟ وهو من صنع بالدبلوم إمبراطوريه صغيره ومال فى تصاعد مستمر. لم تهتم الزوجه هى الأخرى بتعليم الأولاد فكيف لها؟ وكل إهتماماتها إنحصرت فى الحاج عزت وراحته.  كان إبنه الأكبر يدعى محمد وإسم الدلع حماده كامبا، فى السنه الأخيره لدبلوم الصناعه الذى لم  يحصل عليه فيما بعد إلا عندما دفع رشوه كبيره لمدير مدرسه فى الأقاليم وإشترى بها الشهاده. الإبن الأوسط عمرو وكان فى اول سنه فى الثانويه الصناعيه و الأصغر هو خليل وكان فى المرحله الإبتدائيه ولا يهتم يما يجرى حوله من احداث. كل ما كان يشغل خليل هو البحر وبناء قصور من الرمال على شاطئه‬‫.‬ 
(٢)
كبرت زوجة الحاج عزت أكبر من عمرها الحقيقى و أصابتها أمراض النساء الشهيره من مورتيزم وضغط وسكر وألم فى المفاصل وإلتهابات الظهر نظرا لعملها الشاق فى المنزل وعدم إهتمامها بأى شئ غير الحاج عزت والأولاد. لم تهتم بأى شئ  آخر سوى زيارة بيت الله الحرام فى موسمى الحج والعمره كل عام. وكان الحاج عزت رجل غنىّ مُقتدر، فلم يرفض طلبها للحج أو للعمره يوما. ولم يرفض طلبها بتقديم التبرعات والقرابين للمُرسى ابو العباس واحبائه ومريديه
أما الحاج عزت، أصبحت حياته عباره عن عمل جاد نهاراً وحشيش ونساء بالمساء. كان يحج البيت الحرام كل عام ليمسح ذنوب العام الماضى من نساء ودخان أزرق. لم يبخل على بيته بأى شئ من مصاريف ماديه. ولكن الأسره لم تكن أسره. لا يرى بعضهم بعض غير فى اوقات العمل . فعمرو وكامبا كان يعملان مع والدهما فى المصنع. وفى المساء يذهب كل الى طريق مختلف. ورث الابناء عن ابيهم حب النساء وورث كامبا حب الحشيش أيضا ولكن عمرو كان مختلف فورث  حب النساء فقط  ولكنه لم يكن يميل الي الحشيش لأنه كان يتطلب بعض الجهد فى لفه فى السجائر أو تقطيعه ووضعه على الشيشه  فإختار طريق التريمادول وحبوب الهلوسه. أما خليل، فكان يخرج من المدرسه يرمى شنطه كتبه الثقيله ويهرول إلى شاطئ البحر ليبنى قصورا من الرمال متحديا بها الامواج وهاربا من منزل خرب سكنته اجساد بلا ارواح
لم يعترض أبناء الحاج عزت على علاقاته النسائيه طالما هناك حياة كريمه وسيارات فاخره وميراث فى المستقبل. و كانو ايضا لا يشعرون بأى ذنب تجاه والدتهم، فهى تعيش فى منزل فاخر وتذهب للحج والعمره كل عام وعلى علاقه طيبه بالمُرسي أبو العباس . استمرت الحياه على ما هى عليه لسنوات ..حشيش ..نساء ..تريمادول ..حج ..عمره ..قصور على الرمال 
(٣)
ظهرت أم سلوى فى حياة الحاج عزت لتقلب الموازين وتعصف بالهدوء المُصطنع. كانت حياة الحاج عزت النسائيه كعلاقه الفراشات بالزهور. تنتقل الفراشة من زهره إلى أخرى وهو كذلك كان يخرج من حضن الى آخر. كان لا يرتبط ولا يدخل فى علاقة مستمره. فالاستمرار والعشره لهما زوجه فى منزل الزوجيه، أما هؤلاء فكن مجرد حق شرعى فى فخاذ غير شرعيه. وكان ذلك لا يؤرقه إطلاقا . فالرجل يحج كل عام لغسيل هذه الاحضان ويتبرأ من رائحهتا العطره. علامات القلق وآثاره ظهرت على كامبا واخيه عمرو. فأم سلوى اخذت اكثر من وقتها كنزوّه وعلاقة عابره فأصبحت تزور الحاج فى المصنع لتتأكد بنفسها من تناوله وجبة الغذاء وتتصل به اكثر من مره على تليفون المصنع. كل هذه العلامات غير مؤلوفه بالنسبة للحاج وعلاقاته. فأم سلوى ميقاتها الليل فقط! هناك شئ جديد أثار حفيظة الأخوان عمرو وكامبا خصوصاً بعد أن شاعت إشاعة وسط العمال فى المصنع بأن الحاج عزت فى طريقة للزواج من أم سلوى. من أجل ذلك قررا ألاخوان كامبا وعمرو عقد إجتماع مساءا فى غرفة كامبا لمناقشة الوضع الحرج 
(٤)
حضر الإحتماع الطارئ كامبا وعمرو و خليل الذى  تم إرغامه على الحضور. فعندما قال له عمرو بميعاد الإجمتاع وسببه، قال له خليل أنه موافق على اى قرار يتم أتخاذه. ولكن عمرو نهره وقال له أنه كبر وأصبح رجل وعليه تحمل المسؤوليه ولابد له من الحضور. فاضطر صانع القصور من الحضور رغم عن أنفه بعد أن هدده عمرو بأخيه الأكبر كامبا
غرفة كامبا كانت تقع فى الطابق الاعلى من الفيلا الصغيره فى العجمى. بها بلكونه صغيره تطل على شاطئ البحر الساحر تحتوى على  ثلاثه مقاعد ومنضده مستديرة. لا تحتوى الغرفه على اثاث كثير. سرير صغير مواجه لباب البلكونه، مكتب بسيط عليه جهاز كمبيوتر تدل كمية الاتربه المتراكمه عليه على عدم استخدامه منذ عهد بعيد. و مكتب آخر يتوسط الغرفه به جهاز تليفزيون حديث ودى فى دى بلاير و سماعات ضخمه.  تتزين جميع جدران الغرفه بصور لحسن الأسمر، شفيقه، احمد عدويه، دينا، و بعروره. جلس الإخوه الثلاثه فى البلكونه يستمعون إلى صوت البحر الساحر الذى لا يفهمه غير خليل
أخرج كامبا علبة سجائر اجنبيه واشعل واحده وقدم لعمرو واحده ولكنه رفض معللا ذلك بعدم تغيره للصنف الذى تعود عليه. فقام هو الاخر بإشعال سجيارة من علبته الخاصه. جلس خليل على مقعده لا يعلم بالتحديد ما دوره فى هذا الاجتماع. فهو طفل صغير لا يريد شئ سوى البحر ورماله
قام كامبا من مقعده ناظرا للبحر وفى يديه سيجارته : أبوكم أتجنن خلاص..الرجل بقى يصبغ شعره ويلعب رياضه. الغدا بقى يجي له لحد المصنع زى الحبيبه اللى على الكورنيش
خليل : الرياضه حلوه.. احسن م السجاير
لم يرد كامبا على خليل الذى تفادى نظرات كامبا الغاضبه بالنظر الى البحر
عمرو: كل ده مش مهم. ياخد باله من شعره وكرشه..أمان مفيش مشاكل، إنما هيعملنا غنيوه على كل لسان ! أهو ده عيب وعيب قوى كمان
كامبا : الوليه دى عملت له عمل ولا إيه؟ أول مره يطول مع واحده بالشكل ده. شكله بيحبها ؟؟ مش بعيد يروحو السيما أو اقابلهم فى ديسكو
عمرو: عادى برضه..يروحو السيما ..يرقصو فى الديسكو ..يلعبو حطه يا بطه كله أمان .. بس موضوع الجواز ده ايه؟؟؟ عيب و عيب قوي كمان
خليل : فى ايه لو إتجوز..برضه أحسن م العك
كامبا صارخا: انت تخرس خالص. خليك فى البحر و الرمله بتوعك .انت عارف انه يتجوز الوليه دى يعنى ايه؟؟ يعنى سلوى هتبقى شريكتك فى الورث يا فالح ومش بعيد بعد كام شهر يجيب لك اخ كمان يشاركك فى اوضتك
عمرو: ايووووه ده على جثتنى يا جدعان
يجلس كامبا على مقعده ويخرج  من جيبه قطعه حشيش صغيره يقوم بلفها بمهارة المجُرّب الخبير .. ويخرج عمرو من جيبه برطمان صغير ويأخذ منه قرصين مرة واحده.. يلتهم كامبا نفس عميق من سيجارة الحشيش ..ويلقى عمرو برأسه على المقعد .. و تتساقط دمعات صغيره من عيون خليل لما يلاحظها احدا من اخوته
كامبا: و الحل إيه؟ الوليه ماسكه فى الرجل بإيدها وسنانها..وكل يوم تتمايص ولا بنت سبعتاشر؟؟ كده كل اللى احنا بنيناها هتيجى تاخده الوليه دى وبنتها؟
!عمرو : الحل إنى أقتل ابوكم 
لم يلتفت خليل الهائم فى ملكوت البحر الى كلام اخيه فلقد ظن أن ما يقوله عمرو هو ناتج عن القرصين الذى بلعهما منذ قليل. ولكن كامبا كان يعلم بأن عمرو جاد فيما يقول
أشعل كامبا سيجارة أخري و قام من مقعده و نظر إلي البحر و ظهره إلي خليل وعمرو قائلا : الظاهر مفيش حل قدامنا غير ده
عمرو : بس أوعو تنسوني يا جدعان ! أترمي في السجن و تنسوني هناك
لا زال خليل ينظر إلي البحر و غير مستوعب ان القرار الذي تم اتخاذه و الإجماع عليه هو قتل والدهم
كامبا موجها كلامه لعمرو : مرتبك هيتحط في البنك في طلعة أول شهر. و نصيبك من الأرباح هيتحط في حساب تاني في آخر كل سنه . أوعي تفكر لحظه ان احنا هننسوك .اللي انت هاتعمله ده ما يتنساش بكره الصبح هاكلم الأستاذ إبراهيم الأخرس المحامي و أخذ رأيه و هو هينصحني نقومو بالمهمة دي ازاي عشان تأخذ أخف حكم
. أنا هاروح دلوقتي اقابل عبده سيما بتاع الدخيلة عشان أوصيه علي حتة سلاح ملهاش أثر  واللى فيه الخير يقدمه ربنا 
عمرو : خدني في سكتك .. أحدفني عند أي تاكسي عشان مش قادر اسوق
 قاما كامبا وعمرو من مقعديهما وتركا خليل وحده جالسا فى مكانه لم يتحرك ولم تترك عينيه منظر البحر ..يسمع خليل خطوات اخوته  فى التباعد و أمواج البجر تضرب الصخور فى غضب وسخط و تستمر دموعه فى التساقط 

No comments: