أن تكون رقمًا فى منظومة الظلم


نُشرت في هافنجتون بوست 


كان سبب الوفاة الأشهر فى تاريخ وزارة الداخلية هو (هبوط حاد فى الدورة الدموية). كل من لا يستطيع أن يتحمل الضرب والتعذيب كان يموت دائمًا بهبوط حاد فى الدورة الدموية. تطور الأمر وأصبح هناك من ينتحر بكوفية فى عز الصيف على غرار أفلام هوليوود أو يختفي لمدة شهور ثم تُلقى جثته على جانبى الطريق الصحراوي. ثم ظهرت أخيرًا موجة التصفية. تقرأ خبر أن الشرطة تقوم بتصفية خلية إرهابية بعد تبادل فى إطلاق النار. أصبح هذا عادي ومألوف وتقرأه بين الحين والآخر تمامًا مثلما تقرأ حالة الطقس. الأسوأ من الظلم هو التعود عليه.الداخلية تتهم، وتحكم، وتقوم بتنفيذ الحكم في الحال. حتى فى موضوع التصفية خارج إطار القانون، بالماضي القريب  كانت الشرطة تقوم بعقد مؤتمر صحفي صغير -بعد قتل من تريد-لعرض الأسلحة التي استخدمها "الإرهابيون" أو القنابل التي كانوا يقوموا بتصنيعها. حتى هذا المؤتمر الصحفي الوهمي والأدلة الخادعة لم يعد هناك حاجة إلى القيام بها.

منذ أيام قررت النيابة حفظ التحقيق فى قضية المرحوم جيكا الذي قُتل فى أحداث محمد محمود فى 20 نوفمبر 2012. أصيب بمقذوف فى رأسه ومات بعد 5 أيام من وصوله إلى المستشفى. بعد خمسة سنوات من موته قُيدت القضية ضد مجهول لعدم التوصل إلى الجناة.  فى تصريح الدفن كتب سبب الوفاة : قرار نيابة رقم 79 لسنة 2017 أمن دولة. هكذا بكل بساطة سبب الوفاة هو قرار النيابة المتمثل فى مجموعة أرقام.

نعم يوجد فى العديد من تصاريح الدفن أن سبب الوفاة هو قرار للنيابة. لكن الأمر يبدو عريبًا عندما تقرأه و تراه عينك و تسأل كيف يكون قرار النيابة سببًا للوفاة بشكل أو بآخر. هل يكون تأخير العدل سبب للوفاة؟ أن يسجن متهم 3 سنوات حبس إحتياطي أيعتبر ذلك نوع من أنواع القتل؟. أن تُستخدم السلطة القضائية لمساعدة إخفاء الحقائق وأحيانًا وتزييفها أذلك جريمة؟

منظومة العدل من الألف إلى الياء هي منظومة ظالمة ولابد أن تتغير وتتطور. لن يعود أي شيء لما قبل يناير ٢٠١١ وهذا ما يتجاهله النظام. لن تستطيع إخفاء جرائم التعذيب. تقارير المنظمات الحقوقية الدولية والأمم المتحدة سوف تستمر فى فضح الحقائق ولن تستطيع حجبها إلى الأبد. الدول الغربية لها برلمانات حقيقية حرة ذات سيادة تسأل حكوماتها عن جهات إنفاق المعونات والحكومات التي تتلقاها. بدلًا من محاولة تعطيل الحق وإخفاء الحقيقة لابد من مواكبة هذه الدول حتى يصبح الفساد والظلم أمور شاذة وأن يكون العدل هو الطبيعي والمتوقع.

والله لو سخّرت ألف مليون شيخ وقسيس وداعية يخطبون ليل نهار بشرعية حكمك، لو إشتريت كل القنوات الفضائية والإذاعية والجرائد والمجلات كي يتغازلون بالإنجازات الوهمية ولو حجبت كل المواقع المستقلة وكسرت كل الأقلام ذات الألوان المختلفة، لن تستطيع حماية نظام كهذا إلى الأبد. ربما يتأخر العدل ولكنه لابد أن يعود. الشرعية تُصنع وتُكتسب من حرية الشعوب. الحرية فقط هى التى تمنح الدولة قوة وهيبة حقيقية وليست تلك الهيبة الزائفة التي يُسجن بها المعارضة. عندما يكون الشعب حر، يحب وطنه بدلًا من أن يكرهه هذه الكراهية التي تحنق المواطنين إلى حدود بعيدة وتدفعهم إلى أنواع بشعة من القسوة. القسوة تولد الغضب الذي سيكون انتقامًا للكرامة المهدورة والوعود الخائبة والرجاء الكاذب. لن تفلح محاولات أي نظام يريد من شعبه أن يتحمل كل شيء بمذلة وأن يخضع خضوع تام دون أي احتجاج ليكون مجرد رقم فى قائمة حكومية للمعتقليين والمسجونين والمقتولين. ببساطة شديدة جدًا لا يمكن تدمير الإنسان بسبب إرادته البسيطة فى أن يكون حرًا. هكذا قال وليام فوكنز.

No comments: