مصر تردُّ على تقرير "هيومان رايتس" بنظرية "اعمل نفسك ميت"!


كاتبنا الكبير أحمد بهاء الدين قال أن الفرق بين الإنسان والحيوان هو التاريخ. أي أن الإنسان يتعلم من الماضي والأخطاء السابقة فلا يقع فيها مرة أخرى. تنطبق هذه المقولة على الحكومات والأفراد. الحكومة الحكيمة تتعلم من التجارب الماضية. فما بالك بأن هذه التجارب "الماضية" حديثة، دماءها طازجة فى الطرقات لم يغّمق لونها بعد؟ لماذا يراهن النظام على أن الشعب ينسى من يعذبه؟ كيف للنظام المصري أن يتناسى خالد سعيد و ما حدث فى ٢٨ يناير ٢٠١١. قال صديقي أن الشعب لم ينتفض على مبارك فى ٢٠١١ بسبب الفقر وضيق الحال فقط ولكن السبب الأساسي هو الحرية والكرامة التي أراد الشعب أن ينتزعها من حبيب العادلي وزبانيته.  
بعد توصية من الكونجرس، قررت الولايات المتحدة تخفيض المساعدات الأمريكية لمصر نظرًا لتدني مستوى الديمقراطية وحقوق الإنسان فى البلاد. هيومان رايتس ووتش تصدر تقرير جديد صادم عن التعذيب الممنهج المستخدم ضد المواطنين لانتزاع اعترافات فى جرائم جنائية وسياسية. لجنة مناهضة التعذيب فى الأمم المتحدة تصدر تقرير مماثل عن التعذيب والتضييق على الحريّات فى البلاد. كل هذه المؤسسات والمنظمات الدولية تتفق على أن هناك تعذيب تقوم به الشرطة وجهاز الأمن الوطني.

نجد فى  تقرير الهيومان رايتس ووتش ١٩ حالة محددة تم تعذيبها، لماذا لا تبحث الحكومة وتحقق فى هذه الحالات كي تجد الحقيقة لأن النفي بالحقائق والدلائل كما نعمل أقوى بكثير من أساليب النطاعة والتناحة ونظرية إعمل نفسك ميّت. الإجابة بسيطة، أنه لو قامت الحكومة فعًلا بالتحقيق، ستجد آلاف الحالات وسوف تثبت صدق كل حرف فى هذا التقرير. ما ستجده الحكومة سيكون إثبات التهمة ولن تجد دليل براءة واحد. الشعب المصري لا يحتاج إلى قراءة هذا التقرير لأنه لم يأتِ بجديد، فالشعب يُعذّب منذ حين ولن يهم أن نقرأ تقريرًا جديدًا يقول لنا هذه الحقيقة. فى هذا الوقت تجد العديد من الناس لهم قريب، صديق، جار، زميل عمل، دراسة، أو مجرد معرفة من بعيد تم تعذيبه أو سجنه أو تهديده دون وجه حق.

لم تكلف الحكومة المصرية النائب العام بفتح تحقيق علني وصريح لمناقشة أي من هذه التقارير مثلما تفعل الحكومات التي تبحث عن الحقيقة، أو على الأقل تريد أن تنفي عن نفسها تهم جادة وجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم مثل تعذيب المواطنين بشكل ممنهج. ولكن الحكومة أمرت بحجب موقع الهيومان رايتس ووتش لينضم إلى أكثر من ٤٠٠ موقع محجوب فى مصر. لم تكتفِ الحكومة بذلك، بل أمرت بالقبض على كل من يرّوج أو ينشر هذه التقارير! حجبت الحكومة الموقع أولًا ثم اتبع الحجب العديد من التصريحات الحكومية الكوميدية للعديد من النواب والمسؤولين مثل أن منظمة الهيومان رايتس ووتش لها ميول إخوانية وأن المنظمة تابعة لوزارة الخارجية الأمريكية التي تدين بولائها بشكل معلن لدولة قطر! حتى الآن لم تعرف الحكومة بأي تهمة يمكن لها أن تتهم لجنة مناهضة التعذيب فى الأمم المتحدة! برامج التوك شو هى الأخرى لم تتوقف عن ابهارنا وأخذت على عاتقها استفزاز الحس الوطني عند المواطنين والعودة إلى دفة المؤامرة الأمريكية. حتى أن مذيع شهير قال بالحرف (إلى متى نتحمل البهدلة الأمريكية. نحن بغير حاجة من الأساس إلى هذه المعونة حتى تتحكم بنا الحكومة الأمريكية بهذا الشكل). بالطبع يريد المذيع الشهير أن يعكس الآية ويُملي وهمًا على المستمعين أن الحكومة الأمريكية قامت بتخفيض المعونة لأننا دولة متمردة عليهم أو أننا نقف لهم النّد بالنّد. لم يشرح المذيع الشهير أن تخفيض المعونة سببه هو عدم إحترام حقوق الإنسان.

سبحان مغير الأحوال. نفس المذيع كان يتغنى غزلًا فى الإدارة الأمريكية الجديدة وحكمة وزارة خارجيتها عندما مدح ترامب حذاء السيسي، الآن يصف العلاقات الأمريكية بالبهدلة ووزارة الخارجية الأمريكية تابعة لدولة قطر! كيف يتخيل هؤلاء أن نأخذهم على محمل الجد؟ الحكومة تعلم علم اليقين أن هذه التصاريح وربط منظمة مثل هيومان رايتس ووتش ووزارة الخارجية والكونجرس الأمريكي بالرشاوي ما هي إلا نكات سخيفة لا يمكن تصديقها ولكنها تأبي أن تتخذ خطوات حقيقية فى إصلاح منظومة الأمن وعلاقته بالمواطنين.






No comments: