في مديح التشاؤم وذم الأمل


 (1)
قال سائق التاكسي: لم تشهد الإسكندرية مثل هذه الأجواء منذ أن ضرب الإنجليز المدينة. انظر إلى البحر يا أستاذ. سنتيمترات قليلة وتأتي أمواجه وتجلس جوارك فى مقعد التاكسي. ثم ضحك على بلاغته فى وصف البحر الغاضب لم أجادله أو أقتل روايته. لم أقل له بأن ضرب الإسكندرية كان فى يوليو وأن الأجواء كانت أكثر صفاء -من يومنا هذا- إلا من دخان المدافع والقنابل. ولكنى نظرت إلى البحر كما أمرني لأرى أمواجه العالية تخرج عن الشاطئ لتغسل بلاطات الكورنيش وسط ضحكات بعض المارة المتهورين. كانت قطرات الشتاء مثل كرات زجاجية كبيرة، عندما تضرب زجاج شباك التاكسي المتهالك، تنشطر لقطرات كثيرة صغيرة. يفرح السائق بها ويأمرني فى سعادة بالنظر إلى قطرات المطر.
(2)
فى المطعم المزدحم، وقفت فتاة عشرينية تصرخ فى أمها الجالسة على المائدة بأنها تكرهها..تكرهها أكثر من العمى والمرض والحروب. لم تخف الفتاة من قسوة مشاعرها ولم تنتظر مكان مناسب ليكون الألم أكثر جرحا. سكبت مشاعرها على طاولة الطعام وأخذت جاكت ثقيل معلق على مقعدها وارتدته فى هدوء وقصدت الباب. تركت الفتاة أمها حائرة تدافع عن نفسها من العيون التي تلتهمها متساءلة عن فعلتها. الكراهية فعل شجاع يتطلب قسوة وثبات وطقوس وتحضيرات. هل تحتاج الكراهية إلى تدريبات عسيرة حتى يصير هذا الفعل الكريه بهذه السهولة؟
(3)
آلن دو بوتون كتب عن الفيلسوف الروماني سنكا الذي قال أنه يجب علينا اتقان فن التشاؤم وذم الأمل. الإفراط فى الأمل هو سبب كل الإحباطات الإنسانية. فى بعض الأحيان يكون التشاؤم أحد طرق المقاومة والطريقة الوحيدة للاحتماء من الخيبات الأكثر ألماً. عادة الإنسان أن يتخيل عالمًا أحسن مما لديه وأسوأ من الذي يعيش فيه.