حرية الفكر وأبطالها في التاريخ

 

الكتب المقدسة قد جعلت الأرض مركزًا للخليقة، ووجدت من

أرسطوطاليس تأييدًا لهذا القول، فأكبرت تعاليمه في هذه الناحية، وعوَّلَت عليها، ولكن جاليل وجد أن هناك من الكواكب ما هو أكبر من الأرض، فاستنتج أن الحياة لا يُمكن أن تكون امتيازًا خاصٍّا بالأرض، وأنها كما نشأتْ هنا يجوز أن تكون قد نشأتْ
هناك.
وبلغ محكمة التفتيش في إيطاليا هذه الهرطقة الجديدة سنة ١٦١٦ ، فكتبت إلى الكردينال بلارمين تأمرهأن ينهى جاليل عن هذه الآراء، وفي حالة رفضه يؤمر بالكف عن تعليم هذه الآراء أو الدفاع عنها أو حتى البحث فيها، وفي حالة مخالفته يُسْجَن
وسكت جاليل؛ فإن شبح النار التي أوُقدت لبرونو سنة ١٦٠٠ كان لا يزال قريبًا، ولم يكن جاليل يستمرئ نار الاستشهاد،

فلما كانت سنة ١٦٣٠ ألَّف كتابًا عن الفلك، وذهب إلى البابا يستأذنه في نشره، وكان موضوع الكتاب المهم هو تعليل حركة
المد والجزر بازدواج حركة الأرض؛ أي بدورانها حول نفسها، وأيضًا بدورانها حول
الشمس، فأذن له البابا بنشر الكتاب بعد أن اشترط عليه جملةَ شروط، كان أهمها أن يكتب في ختام الكتاب هذه العبارة
لله قادر على كل شيء … وكل شيء ممكن لديه، وعلى ذلك فليس يمكن أن يقال: إن المد والجزر برهان ضروري للحركة المزدوجة للأرض بدون تحديد قدرته على كل شيء

وقبل جاليل هذه الشروط، ونشر الكتاب سنة ١٦٣٢ ، ولكن في السنة عينها هاج رجال الدين، ومنعوا نشر الكتاب، حتى مع وجود هذه الخاتمة التي يكذب فيها جاليل نفسه، وانعقدت محكمة التفتيش سنة ١٦٣٣ ، وحكمت عليه بالسجن ثلاث سنوات،
وأن يتلو المزامير السبعة مرة كل أسبوع، وأن ينكر كل ما قال.


- حرية الفكر وأبطالها في التاريخ - سلامة موسى

No comments: