كـُس أم القــارئ


دخل الكاتب المغمور على الكاتب الشهير مكتبه وفى يده مجموعه قصصيه قد كتبها على ورق رخيص وقدمها له طالباً النصح والنصيحه . أمره الكاتب الشهير بالجلوس على المقعد أمام مكتبه الفخم وسأله: لمن تكتب؟ فأجاب الكاتب المغمور  الطامع فى الشهره والجاه بحماس الشباب : أنا بأكتب للقارئ وللجمهور. فنهره الكاتب الشهير وقال له : كس أم القارئ. فانت تكتب لنفسك ولفنك أولاً . فاصبح هذا المبدأ قانوناً يمشى عليه حتى أصبح هو الأخر مشهورا وله صيت وباع
أكد لى صديق مشهور هذا القانون هو الآخر وحكى لى كيف أن صديق له يكتب عمودا يوميا يتبع هذا المبدأ منذ فتره، وهو الآخر من أشهر كُتاب هذا العصر. اخيراً أكد لى فنان كان يوما مغمورا ان عملاق من عمالقة المسرح العربى سأله لما ترتعش وانت تمثل؟ فأجابه الفنان الشاب، بأنه يخشى الجمهور فكان رد عملاق المسرح: كس أم الجمهور. انت تخشى فنك اولاً قبل أى شئ
تذكرت كل هذه الكُسميّات وأن أعيد ترتيب بعض الكتب التى قرأتها على موقع "جود ريدز" وبالصدفه قرأت تعليق من قارئه على قصه من قصص الرائع الطيب صالح. وقرأت كيف أنها لم تقتنع بما كتب وأن هذه القصه ضعيفة الخيال والصياغه. هذا كان رأيها وهو لها.  تابعت نفس القارئه فإذا بها تترك تعليق آخر على إحدى قصص نجيب محفوظ وتتهمه فى خياله وكيف أن نهاية القصه كان يجب أن تكون مختلفه! عندها فقط تذكرت الكُسميّات السابقه. فالكاتب الروائى أو القصّاص ما هو إلا خيال. فإذا شكّكت فى خياله فأنت تشك فى موهبته. تعمقت أكتر فى تعليقات هذه القارئه ونقدها لكل من علاء الديب ويوسف إدريس وغيرهم من عمالقه القصه. فاذا بى أصرخ من أعماقى : كس أم القارئ

حـرْب



هناك فى كبد السماء، حرب ضاريه بين الشمس وبين أكوام السحاب. حتى هذة اللحظه مازلت السُحب رافعة راية الإنتصار. الأجواء الرماديه تُسيطر على كل شئ فى هذا اليوم. الجميع يراقب تلك الحرب وسط دعوات ظاهره، صريحه، قويه بإنتصار الشمس. الجميع ينظر إلى قلب المعركه فى خشوع. لا يملك أحد شيئاً غير الدعاء والصبر على البلاء
طارت حمامه
متلونة بريحة الطين ..
بعطر الأرض ..
بغنوة لحن مسكوره ..
بقيمة العِرض
بقلب لأم مقهوره
بدمعة ظلم

ســائـحْ فى بلاّدي

(١ )
اليوم أعود.
بمحض إرداتى، غير مضطر غير مرغم غير مهزوم أو مكسور أو باحثاً عن مجد، أو طالباً للشهره .أشعر بثقل الخطوات فى الطرقات التى ألفتها وتعودت عليها. اليوم تلفظنى وكأنى نبت شيطانى فى أراض مقدسة. بلادى التى تركتها تركتنى وعندما عدت إليها نهرتنى . مسخ غريب وأشياء عجيبه وقوية تقشرت من شوارعها وحواريها لتهدم كل شئ وتغيره. تغيرت ألوان المبانى والشوارع، بل تغيرت ألوان البشر وأصبحت صارخه قبيحه. الهواء أصبح سميك له رائحه كريهه بطعم الغُربه. أعجب من نفسى لأنى مازلت راغباً فى المزيد من هذه التفاصيل الراكده الخاليه من المدلول. أين البقاع الطاهره من أهلك؟ أين عبق الإيمان الحقيقى وتراتيل الأرواح؟
 تغازلنى فى مدينتى أحلام ورديه لطفل صغير مات قبل أن يولد وشاب ضاع منى هدراً باحثاً عن المتسحيل من الآمال البيضاء ورجل يأس وآمن بأن الكفر بكل شئ هو الفضيله والجائزة الكبرى، وإمرأه لم يبق منها سوى نظرات خائفه مضطربه
(٢ ) 
راهنت على موجات زرقاء من الأمل وسماوات من الحق، فجاء حظى  بمستنقع من الوحل. يتكوم فى قلبى أسى وحزن ودموع غير مرئيه. سيدة الكون وجميلته كانت بين ذراعىّ ولم أنل منها غير عبير مؤقت وإبتسامات مكسوره سببها ذكرى، أو لمسه أو قبله من الخيال على شفاة مريره. جباه الفلاحين أصبحت أكثر سماراُ من حرارة الظلم وصفعات القهر المتكرره.  شمس هنا أصبحت مثل شمس هناك مجرد كتلة ذهبيه لا تبعث الدفأ أو السكينه فى النفوس. العيون الزجاجيه كثُرت وأصبحت واضحه. النظرات الموجهه التى تقتلك كمشرط تلم فى يدٍ مرتعشه لجراح ناشئ. قطرات المطرالبخيله تضرب في الأرض السمراء البكر ولا يخرج حباً ولا زرعاً وكأن سنوات يوسف العجاف قعد عادت من جديد. 
(٣ ) 
أبدو كسائح أوزائر لم ينبت هنا فى هذه البلاد وتجرعت جذوره من رحيق الصبر والخيرات. أراهم يشيرون إلىّ بأصابع غليظه كأنى مخلوق عجيب غير سوىّ يدعو إلى الكفر. الآن فقط أعرف معنى إنتزاع الروح من الجسد. اليوم فقط أعرف تفسيراً واضحاً لآلام الشاة بعد أن تموت ويُسلخ جلدها. اليوم أعود من هنا إلى هناك. ربما أعيد ترتيب الأوراق . ربما أصلى من أجلى ومن أجل شوارعها. اليوم آخذ ما أتيت به وأرحل. ربما عاودت الكرّه من جديد ويثقل رأسى المزيد من الشعيرات البيضاء. ربما إستسلمت لشمس هناك البارده. ربما أستأنثت ذلك الشعور الغريب بالموت وحيداً. ربما إستكفيت بورقة بيضاء وقلم حبرُه أسود، أكتب عنها وفيها، وأغازل ما تبقى فى جنباتها من يقين الماضى.
اليوم أعود