القصة فى الأصل أنثى!

القصة في الأصل أنثى  قصة قصيرة

(1)
قالت وهى ترتدى  حماّلة صدرها التى ضاقت على نهديها المستديرين:
أنا لا أحب القصة القصيرة عموماً. هناك أسئلة تائهة فى ثنايا السطور القليلة.
ترتعش يديها باحثة عن المشبك المعدنى الذى يربط نهايتى حماّلة الصدر فلا تجده. تواصل كلامها قائلة:
مثلا، ماذا حدث لفتاة الليل التى كتبت عنها هنا؟ وهى تشير إلى الأوراق المبعثرة على المكتب.
هل غيرت طبيعة عملها بعد الحوار الذى دار بينها وبين البطل فى المقهى؟ هل تركت المدينة القبيحة وعادت إلى بلدتها الصغيرة؟ كيف إنتهى بها المطاف؟ كل هذه اسئلة تحتاج إلى إجابات.
بعد محاولات كنت أصلي في سّري من اجل أن تفشل، إستطاعت أخيرا أن تكبح جماح نهديها الفائرين داخل حماّلة الصدر. أشعلت سيجارة وهى تنظر إلى نفسها بإستغراب فى المرآة وأخذت نفس عميق من السيجارة ثم وضعتها على المنفضة بجوار الأوراق. بدأت ترتدى قميص بلون البحر، وأسرعت فى إغلاق أزرارة واحد تلو الأخر. أخذت نفس آخر من السيجارة، ثم إرتدت جاكت البدلة الكحلى.
(2)
قلت لها الإجابات كلها موجودة فى القصة ولكنك تبحثين فقط على الإجابات السعيدة. تركت مشط الشعر من يديها وأهملت تصفيف شعرها وقالت معترضة بصوت يحاكى رعشة يديها: نعم أنا أبحث عن النهايات السعيدة للقصص. فليذهب خيال القارئ إلى الجحيم. يجب أن تكتب النهايات سعيدة، واضحة، صارخة البهجة دون عناء البحث فى خيالات الممكن واللا ممكن!
أخذت ما تبقى من سيجارتها وذهبت غاضبة.
(3)
صنعت لنفسى فنجان من القهوة بعد ان نهضت من فراشى الذى لا يزال يحمل عبيرها ودفئ جسدها. رائحة الياسمين تبعث فى نفسى سعادة طفولية. ذكريات منال، فتاة الأحلام الأولى التى كانت تزرع الياسمين فى بلكونة شقتهم الصغيرة في سيدى بشر. عبيرالبحر وصوت موجاته الغاضبة، رائحة االفلافل فى الصباح، صوت أم كامبا وهى تتشاجر مع عم آدم. كيف لم أكتب عنهما حتى الآن؟ البدايات دائماً سهلة جميلة تخلو من الفلسفة والتعقيدات. لم تعلق علي بداية القصة ولكن النهاية أغضبتها.
(4)
أخذت الأوراق، وبدأت قرائتها مرة أخرى. مسكت الأقلام وحاولت أن أعيد كتابة النهاية ولكنى لم أستطع تغيرها. بحثت فى أوراقى ووجدت نصوص قديمة أهملتها، وحاولت أن أكملها. قرأت سطور من هنا وأخرى من هناك. دائما تتجمل القصص بالجانب النسائى فى الأحداث، تجد الحبيبة المخلصة، الزوجة اللعوب، والأم التى ضحت بحياتها وشبابها مع زوج خائن. بحثت عن نهايات سعيدة لم أجد. حذفت النساء من القصص، فأصبحت رتيبة مملة لا روح فيها. مسكت القلم وبدأت أسطر قصة جديدة تبدأ بنهاية سعيدة.