زنزانة وديْـــــع فِكــــرى الهــَادى

  

الزنزانه

جدران رمادية ، باردة الطقس، لا تحتوى على أى أثاث أو معالم معماريه غير تلك المسطبه الخرسانيه المستطيله التى لا تسع غير ثلاثة أفراد على الأكثر. لا يوجد أى مصدر للضوء أو الهواء غير ذلك الشبابك  الصغير الذى يعلو الباب
رُسمت على الجدران الرماديه أشكال  ووجوه، كما كُتبت شعارات مختلفه تدل على كثرة الزائرين و إختلاف ميولهم و أسباب قدومهم لتلك الزنزانه. لا صوت يعلو غير صوت  العسكرى الذى يحرس الزنزانه بالخارج. يتحدث إلى شخص ما فى التليفون، يسب ويلعن الأسعار والأولاد والمدارس وزوجة الضابط التى تأمره بغسيل ملابسها الداخليه وشراء الخضروات من السوق. يأتى صوت أم كلثوم من غرفة مجاوره  " تفيد بإيه يا ندم ، وهتعمل إيه يا عتاب". إختلطت رائحة الرطوبه برائحة البول الخارج من  حفرة صغيره فى ركن من الأركان كبديل غير آدمى  لدورة  المياه

وديع فكرى الهـادى

فى ركن قريب من الزنزانه، وقف وديع فكرى الهادى مترقباً. ووديع كان إسمه وصفته. نشأ وحيدا فى أسره منطويه. لا تقترب من جيرانها بخير أو بسوء. ليس له صديق غير ذلك الكمبيوتر الموجود فى غرفته. يرتدي  قميص كاروهات ازرق . فجميع ملابسه كاروهات و ان اختلفت الألوان .صفف شعره الأسود الكثيف بعناية فائقة. تخفي نظارة سميكه نظراته الحائره .أخذ يتأمل وديع الروسومات والشعارات الموجوده على الجدران التى تعلم منها الكثير  فبعضها يدل على الثوره والسياسه والكثير منها عن الجنس والحرمان العاطفى لدى النزلاء. تدل الروسومات على تنوع الجرائم وإختلاف الشخصيات والأهداف. وفجأه تذكر ميوله و أهدافه وما أتى به إلى تلك الغرفه العفنه. فهو لم يرتكب أى جُرم كى يحاسب عليه ويُقتص منه. كان يجلس فى نفسى المقهى الذى تعود الجلوس عليه فى نفس الميعاد على نفس المقعد. وفجأة تم القبض على جميع من بالمقهى بتهمة التحرى برغم أنه قدم للضابط إثبات الشخصيه الذى لم يجلب له غير صفعة شديده على قفاه النحيف

المعلم حيقه

يجلس بمفرده على المسطبه الخرسانيه. تشابة كرشه مع إستطالة المستطبه فخلقا معاً هرم صغير. فالرجل كان عبارة عن الكرش وشنب كثيف . يرتدى جلباب متسخ يدل على طول إقامتة فى هذه الزنزانه. على وجهه إبتسامة بلهاء، يخرج لسانه بين الحين والآخر كى يلامس شنبة الذى لم يمسسه مقص منذ أمد بعيد. ينظر نظرات حيوانيه إلى وديع الذى وقف منطوى فى ركن قريب من الباب عسى أن يستغيث فيسمعة العسكرى ويلبى الإستغاثه. تزداد ضربات قلب وديع سرعه، ويزداد معها الدوائر التى يرسمها لسان المعلم حيقه على شنبه. لم يجد وديع مفر غير أن يتظاهر بعدم القلق من نظرات حيقه الحيوانيه فيسأله بكل وداعه :
حضرتك هنا ليه؟ أقصد يعنى تهمتك إيه؟
يضحك حيقه فيتهتز فخذيه وكرشه العريض قائلا: أنا مش متهم ولا مقبوض عليّ يا حبيبى. أنا موظف هنا. حضرة المأمور مكلفنى أحقق مع العيال بتوع السياسه اللى زيك
رد وديع سريعاً : بس انا مش بتاع سياسه والله. أنا باقعد على القهوه دى كل يوم خميس من الساعه 6 للساعه 9 و بعد كده بأروّح علطول. بس النهارده الظابط جه واخد كل الناس اللى كانوا قاعدين

ما انتو كلكم بتقولو كده فى الاول. تعالى بس أستهدى بالله واقعد جنبى هنا و إحكى لعمك حيقه حكايتك.. المسطبه تساع م الحبايب الف هأ هأ هأ هأ.. ولاّ تحب اجيب لك انا؟

همّ المعلم حيقه من قعده متجهاً نحو وديع الذى سلم أمره لله وفكرّ جدياّ فى الصراخ طالباً النجده ولكن الذى انقذه صوت عسكرى الحراسه صارخاً إسمه : وديع فكرى الهادى

ايوه هنا ايوه انا هنا ايوه ايوه والله هنا

تعالى معالى سعادة  البيه المأمور عاوزك

إيقْاعَاتْ الْمُمْرضة اللعُوُبْ

(1)
فى المستشفى، جلس على فراش المرض فى غرفته الزجاجيه الأنيقة التى تقع فى حىّ راقى فى تلك المدينه التى لا تنام. ملأت الأجهزة الطبية وأسلاكها الغرفه التى لم يبق بها من مكان غير تلك المساحه الضيقه التى تسع لمقعد واحد ربما أتى زائر أو صديق.
لم يعرف ما ذا تفعل هذه الأجهزه التى عُلّق بعضها فى وريده الضعيف. و ما هى المهمه الحياتيه التى تقوم بها. وكيف له أن يعرف وهو من يجهل ما به من شكوى و أوجاع. ولكنه لم يجد مفر من التفكير فى هذه الأجهزه المحيطه به وما يدور حوله من أحداث. فهو لا يملك أى شئ سوي الوقت والإنتظار. فقرر أن يحل لُغز الأجهزه و لكنه سُرعان ما أصابه اليأس وعدمم الإهتمام عندما وجد أن ألوان الأسلاك تنحصر بين الأبيض و الأصفر و الأسود وقد خلت من اللون الأزرق و هو لون البحر الذى يعشقه.

(2)
كانت غرفته تقع فى ركن إستراتيجى حيث كانت تطل على مكتب المُمرضات و الكافتريا التى يستخدمها الزائرون ويهرب إليها العاملون بالمستشفى. هذا الموقع الإستراتيجى جعل من غرفته مركز حيوى لتلقى الإبتسامات والتحيات والنظرات التى كان معظمها شفقه وبعض الدعوات بالشفاء العاجل. ولكن الشفاء من ماذا؟؟
تذكر والدته وكلماتها الخالده عندما كانت تقول بأنه كلما زادت الشعرات البيضاء فى رأس الطبيب، كلما زادت خبرته وحنكته الطبيه. وعنئذ دخل الغرفه طبيب شاب طويل القامه رياضى المظهر يصلح أن يكون ممثل أو مطرب مغمور. تجاهله الطبيب المغمور و نظر إلى لوحه معدنيه صغيره مُعلقه فى نهاية السرير فيها تفاصيل الحاله المرضيه و آخر تطوراتها. قرأ الطبيب المغمور ما باللوحه من تفاصيل بنظرة الخبير العالم ببواطن الأمور. ولكن كيف له أن يكون عالم أو خبير و شعره أسود من ليل المظلوم ولا يحتوى على شعرة واحده بيضاء. وقع الطبيب الشاب على اللوحه ووضعها مكانها دون أن ينظق بحرف واحد.
(3)
جلس المريض يتابع و يتأمل الحياه الماضيه خارج غرفته الزجاجيه بدون توقف. يتابع الممرضات يتحدثن لبعضهن فى ودّ و أُلفه. يتكلمن عن أى شئ وكل شئ عدا المستشفى و المرضى. يسمع واحده تتحدث عم أشترته من ملابس داخليه بسعر زهيد. و أخرى تتباهى كيف أنها جربت وضع جنسى جديد مع صديقها الذى يصغرها بأعوام. يقلب البصر ليرى زائر فى يده ورود و آخر فضلّ الحلوى و الشيكولاته. يرى الدموع و الإبتسامات و القلق و الترقب يملأ عيون مختلفة ألوانها. و تستمر الحياه خارج الغرفه و لا يقطعها سوى  رنين التليفون بين الحين و الآخر. لاحظ أن هناك ممرضه مسؤوله عن التليفون، تقوم بالرد عليه قبل الرنه الثانيه. كانت مسؤولة التليفون لا تبتسم كباقى الممرضات و لكنها جمعت كل تركيزها فى التليفون و رسمت على وجهها الذى يحتوى على حاجب واحد عريض نظرة الجد و الحزم  و المسؤوليه.
(4)
تقطع أفكاره طبيبه شابه تدخل غرفته قاصده نفس اللوحه المعدنيه المُعلقه فى مؤخرة السرير. كانت أصغر من طبيب الصباح سناً وكانت تخفى صغر سنها بنظارة طبيه تأكل نصف وجهها الصغير. كانت شقراء الشعر خاليه من شعرات الخبره  و الحنكه البيضاء. إبتسمت إبتسامه غير طبيعيه و سألته بصوت طفولى: كيف حالك اليوم؟ أجابها بأنه على مايرام ولا يشعر بأى سوء. قامت بتوقيع اللوحه و تركته بدون أن تعلق على حالته
(5)
كانت الفتره المسائيه أقل حياة خارج الغرفه و لكنها أكثر إثاره داخلها والفضل فى ذلك يعود إلى تلك الممرضة الفاتنة اللعوب التى كانت تعمل بمفردها فى هذه الفتره من اليوم. كان عندما يسمع خطواتها خارج الغرفه يبدأ قلبه فى التراقص مع خطواتها التى كانت نتاج ساقين أطول من صبر أيوب و فخذين من المرمر. لم تستطع بدلتها البيضاء من إحتواء هذين النهدين اللذين وقفا بكل عزة و إفتخار يتحدين كل ناظر آثيم.
كانت تأتى إلى غرفته كل مساء لتغير المحلول المُعلق فى وريده. وبرغم أن العمود الحديدى الذى كان يحمل المحلول يقع على يسار السرير، إلا أنها كانت تُفضل أن تغير المحلول من الجهه اليمنى. وكان ذلك يستدعى أن يتمتد جسدها على عرض السرير حتى تصل إلى المحلول بسلام و آمان. و نتيجة هذا الإمتداد هو ملامسة نهديها لجسده الضغيف لتبعث فيه حرارة الحياه التى يفتقدها و لم يعد يفكر فيها منذ فترة.
لم يعترض على طريقة تغير المحلول إطلاقاً وفكرّ جدياً فى إيجاد طرق جديده للتخلص من المحلول بطريقة أسرع حتى تأتى ذات النهدين لتغيره
(6)
بعد أن تنتهى من مهامها الطبيه التى تبعث الدفئ و الطمآنينه فى أجساد بعض المرضى، كانت تأتى إلى غرفته تسامره و تحاوره و تتحدث معه عن الحياه التى أسائت معاملتها مرات ليست بالهيّنه. لم يكن هو بالشخص الذى تنبعث منه آلاء التفاؤل و إشارات الأمل . فكان يزيد همومها هماً و دموعها دمعه. يجلسان سوياً يلعنا الدنيا و الحياه و الأسره و الإرتباط و المسؤوليه و المستقبل المجهول لكل منهما. كان يعلم فى قرارة نفسه أنه لن يراها مرة أخرى عندما يغادر الغرفه الزجاجيه حياً كان أو ميتاً. ولذلك لم يخف عنها سراً ولا شكوى, و هى كذلك قالت له كل ما جهله غيره عنها و كذلك ما تخفيه النهدان العظيمان من أسرار و مغامرات.
تقطع إشراقة الشمس الأولى حوارهما الذى يتلاشى ورعاً وخوفاً من صوت الممرضه ذات الحاجب الواحد التى صرخت من أعماقها لأن شخص ما قد عبث بالتليفون المُقدس و غيّر مكانه الذى عهدته. فقد زلزلت خطواتها العسكريه سكينة  المكان و أعادت الحياة الصباحيه الرتيبه إلى وهلتها الأولى
(7)
ذهبت ذات النهدين إلى منزلها طامعة فى بعض من الراحه و قليل من النوم. و جلس هو وحيداً مع أصوات الأجهزه وأسلاكها التى ملأت الغرفه. إنتظر مليّاً أن يدخل عليه الطبيب المغمور أو الطبيبه صاحبة الصوت الطفولى ليتفحصا اللوحه المعدنيه كالعاده، و لكن لم يظهر أى منهما طوال اليوم.
وفى مؤخرة النهار، دخل عليه طبيب جديد لم يره طيلة مدة إقامته فى المستشفى. كان شعره الأبيض دليل واضح على خبرته و حنكته الطبيه التى طالما وصفته له والدته. دخل الطبيب قاصداً اللوحه المعدنيه التى تحتوى على الأسرار . نظر إليها الطبيب وأطال النظره ووقّع عليها بعد قراءه شامله لما تحوى . نظر إلى المريض قائلا: أنت بكل خير و يمكنك مغادرة المستشفى اليوم!
فزع المريض من مرقده مُستنكراً :أنت متأكد يا دكتور؟
أجابه الطبيب : نغم و بكل تأكيد
سأله المريض فى لهجة بها حسرة و إنكسار: و ماذا عن المحلول يا دكتور؟؟

... ثُمَّةَ أَحْلَامْ وَلَكِنَّهُــا



.... بسيطه كزهرة تحتوى على ثلاث ورقات فرديه
.... ضعيفة كواحدة من الورقات الثلاث عندما تتلاعب بها نسمات الفجر
.... حالمة كتلك الفراشه المترقبه للهبوط على أحد ورقات الزهره
.... ميته كفرع الزهره بدون ورقاتها الثلاثه

عنْدما أْشارً طنطْاوى إلى الطائفيه والأيدى الحديديّه

هذا جزء من خطاب المشير طنطاوى فى حفل تخريج دفعة كلية الشرطه عندما اشار انه لن يسمح بالطائفيه وانه سوف يضرب بيد من حديد!! اليد الحديده التى تناست شهداء ماسبيرو وامرت بتسميتهم بالشهداء .



الجزء ده مرفوع فى الموقع ده  لمن يرغب التعليق بتسجيل فديو آخر
http://www.talkbacktvmideast.com/

Egypt's PM calls for unity after Coptic Christian clashes in Cairo

رئيس الوزراء المنهنه ..بيقولك اتحدو.. والنبى اتحدوا عشان دمعته قريبه وبياخد على خاطره


#maspiro : الجيش يستخدم العنف مع المتظاهرين أمام ماسبيرو #Noscaf

الإعلام الحكومى المصرى هو معقل الثوره المضاده ومسكنها الآمن
ماسبيرو بقنواته وإعلامه هو من يشعل نار الفتنه كما تألق فيها أيام الرئيس المخلوع














زائِر مِنْ هُناكْ

إشتاق إلى هذا الزائر القادم من من أرض بعيده. أفرح فرحة التائه فى الصحراء المُظلمه عندما يجد الدليل والهدايه. أختار ملابسى بعناية وإهتمام، كمراهق يتسعد لأول لقاء غرامى طرفه الآخر بنت الجيران الحسناء. أعيد إختيار ملابسى مرات متتاليه. ربما أستعين بشخص   آخر أكثر من درايه بعلوم تناسق الألوان وفنون الإختيار .وكيف لى بإختيار ملابسى وأنا من فشل فى إختيار من هو أهم من الملابس من قبل.
لا أرضى عم تم إختياره مهما كان ولكنى أستسلم للإختيار بدون جدال أو فلسفه. فلزم على الإستعداد لهذا الزائر الذى يحمل فى طيّاته رائحة الوطن وغبار أرض المكرمين وروائح المسك المخلوطه بعبق التاريخ وعرق المُنشدين
أنتظر فى ساحة الوصول بالمطار كنفس المراهق الذى ذهب للقاء محبوته ساعات طويله قبل الميعاد. أرى السعاده على وجوه الوصول وسعادة أكثر على من هم فى إنتظارهم. هذا طفل صغير هلّت أسارير السعاده على قسماته البسيطه عندما حمله والده على كتفيه مداعبا. أرى دموع أم تغرق ملابس ولدها أو عزيز لديها ترحيباً بعودته سالماً . وها هنا، أسمع تنهيدة بحرارة الشمس تتبعها نظرة مُلتهبه من عاشقه مسّها الشوق فذابت بإقتراب اللقاء.
إبتسم وأنا أتابع كل ما يحيط بى من دموع وورد وأحضان ساخنه. والقى بعينى فجأه على اللوحه المعدنيه التى تحمل أرقام ومواعيد رحلات الطيران لتذداد إبتسامتى إتساعاً. فميعاد طائرة الزائر غداً وليست اليوم! باكراً، سأعيد الكرّه بنفس الخطوات من الألف إلى الياء إن لم أضف شيئاً جديداً

#Egypt: Army violently disperses #Coptic #protest #Noscaf

تسعة شهور مضت على الثوره المصريه. ومازال المواطن المصرى يُسحل فى شوارع بلاده 



وَهَلْ أَبْلُغَ مِنَ الْدَّمِ قُرْبَانا؟

(1)
قديماً ، كانت تُذبح الذبائح من الأنعام والإبل حُباً وقُرباناً لصنم يسمى آله معبود. لم يعرف من ذبح بأن الصنم لا حول له ولا قوه ولا يهتم بما قد قُدم له من ذبيحة و عطية. ولكن الذابح آمن بذلك الصنم وتقرّب إليه طوعاً غير كاره. أنفق كل ما إدخره من أجل صنم نحته وخلقه هو بيديه. إنه الإيمان بأى شئ ومن أجل شئ. عندما آمن سيدنا إبراهيم بأن رؤياه هى أمر الهى لا يقبل الجدال والفصال، همّ بذبح ولده إسماعيل. وعندما آمن سيدنا إسماعيل بأن ما يقوم به أبيه هو الحق، لم يجادل أبيه عندما أتله للجبين وقال له " يَأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيَ إِن شَآءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِينَ
(2)
هكذا حالنا يا أرض بلادى، فستدجدينا إن شاء الله من الصابرين. آمنا بك من غير سؤال أو جدال. عرفنا أنك الحق الذى طال إنتظاره. رُفعت رؤسنا فى السموات العُلى بهتاف تقشعر له الأبدان والجلود " إرفع راسك فوق أنت مصر" تغيرت الأحوال وأصبحت الأغانى الوطنيه التى طالما سخرنا منها وسأمناها أقل بقليل عما يجوب بداخلنا تجاه وطن .هذا الوطن الذى هجرة من هجر وهرب منه من هرب ويأس الكثير من أبنائه فى تعريفه.
أهو أرض؟ سماء؟ كرامه؟ إهانه؟ ظُلم؟ عدل؟ جيران؟ حال؟ حالة؟ تجربه؟ حب؟ ذكرى؟ ماضى ؟ حاضر؟ مستقبل؟ دمعه؟ إبتسامه؟ عيش؟ حياه؟ موت؟ أم مجرد قبر فى نهاية المطاف؟ فلتذهب التعاريف إلى الججيم فلقد رضينا بها وتعايشنا معها
(3)
قدمنا لك القرابين من دماء طاهره لشاب لم ير الحياة بعد. ملأو سجونك بمن يحبونك وأطلقو العنان لمن يخونك. آمنا بك ولم نر منك حباً. وانت من فضلتى علينا من آمنت ألسنتهم وكفرت بك قلوبهم. سرقك مجلس عجوز مثلما سرقك من قبل كذّاب أشْر. يتسلق عليك جراثيم تهوى السُلطه وأحزاب أسطوريه لا علاقة لها بما نحب ونهوى. فماذا بعد الدم  قرباناً؟ إن كان هناك أغلى من الروح والحياه، فنحن عليه لباحثين. بيعى فينا وإشترى .. قدمى لنا الشئ ونقيضه ..قابلى الحب كره ..والحياة رصاص. فلن نعبد ما ينحتون

مَدِيْنَةِ الْأَلْوَانِ

قابلت عجوز يونانى فى نيويورك يعمل سائق ليموزين. وُلد ونشأ فى الإسكندريه، أو مدينة الألوان كما كان يطلق عليها الرجل. لهجته السكندريه كانت أفضل من لهجتى بدرجات وكأنه لم يفارق المدينه منذ أكثر من خمسين خريفاً.  لم أسأله عن سبب الهجره أو التهجير وإن علمت الإجابه مسبقا ولكنى سألته عن مدينة ألألوان وما السر وراء هذا الإسم ؟
تنهد ديمترى تنهيدة أطول من عمرى كله. و أخذته هذه التنهيده لماضى يفتقده و حنين يشعر به من وقت للآخر. هكذا قرأته عندما هز رأسه يمينا ويساراً.أجابنى بأن والده كان دائم القول بأن الإسكندريه  هى مدينة الألوان البهيجه والأسباب عديده وقديمه و لكن أهما سببين. الأول هو البحر الذى  حبى على المدينه بألوان متنوعه. ففى الصباح يلوّن البحر المدينه باللون الأزرق وعند غروب الشمس تتزين المدينة باللون الذهبى  وفى المساء عندما يسطع القمر فى قلب السماء تنعكس أشعته على مياة البحر لتلبس المدينة الثياب الفضيه وكانه يوم الزينه والتباهى. السبب الآخر هو الإسكندريه نفسها ، فهى التى فتحت ذراعيها لكل أصناف البشر من بشوات وبهوات وفلاحين وعمال وأفنديه وصعايده، فشكلّ هؤلاء لوحه مذدهرة الألوان. والسبب فى ترحيب الإسكندريه بهؤلاء أنهم عشقوها بدون سبب أو إنتظار مقابل و تخلو جميعاً عن أنانية العُشاق فى حب الإمتلاك .أعرف جيداً أن هناك فلسفة ما فى أصول ديمترى اليونانيه ولكنى إقتنعت بكلامه وآمنت به. فما رسمه له من ماضي كان كفيلاً بتفسير ما قد أصاب الإسكندرية الآن. فمدينة الألوان تفقد بعض من بهجتها يوماً بعد الآخر.
فالبحر الذى كان كمحراب للصلاة يسع الناس جميعاً ويحتويهم بدون تفرقه بين شكل أو لون تم تقسيمه إلى خنادق ومربعات صغيره كثيرها للأغنياء وقليلها للفقراء والعموم. ودّدت أن اقول لديمترى أن لافتات حزب النور قد غزت المدينه وقامت بتعريف كل إختلاف بالكفر والضلال. ولكن ديمترى لن يفهم عبقرية الأحزاب المصريه وكيف أن حزب الحريه والعداله هو المشروع الأسرع وصولاً للجنه والنعيم. وهنا تذكرت لُبنى، تلك الفتاة الجميله التى أرسلت لى إيميل يحتوى على مقاله لعمرو خالد يحرم فيها حبى لها وأن القعده على الكورنيش باطله! تذكرت أيضا أنى لم أعرف العدد الحقيقى لأقباط الإسكندريه غير بعد تفجيرات كنيسة القديسين. فقد آثرو الإنعزال والإنغلاق لأسباب لا يعرفها سواهم.أصبحت لوحة ديمترى المزدهرة الألوان عبارة عن لوحه قبيحه من لوحات  فاروق حسنى. وكذلك حياتنا التى خلقها الخالق بألوان متناسقه ولولا الإنسان وعبثه في هذه الألوان بالكذب والأنانيه وحب الإمتلاك لظلت اللوحه مذهره