جَنّه و نَارْ


مات كل من يحب. لم يبق منهم أحداً. رحل الجميع دون سابق إنذار أو سبب مقنع غير الموت نفسه. تركوه وحيداً لا يعرف ماذا يصنع بوقته و حياته الفارغه. تركو له ذلك المنزل الفسيح الذى لا يستخدم نصفه و لا يعرف أين يجد أبسط الأشياء فيه. ماتو بلا معاناه أو عذاب. أليس الإنسان مخلوق ضعيف خُلق من وهن؟ يمرض و يشفى؟ فأين مرض الموت الذى عنه تتحدثون؟ كيف لهم أن يرحلو بتلك السهوله؟ يا لها من أنانيه و عشقاً للذات.  لم يجد شئ غير أن يلوم الموتى ومن تركو له الدنيا بما فيها

لم يغادر المنزل لشراء اى شئ. فكل شئ كان موجود حتى الخمور اجودها واثمنها. لم يهتم بشكله وملابسه ولما ؟ و هو لم ير شخص منذ ان حضر الموت وفاجأه. أتسخت ملابسه و أصبحت رثة كروحه التى لا يعرف مدخل لها أو سبيل. أصبح المنزل مظلم كئيب لم ينظفه احداً منذ اسابيع. ماتت العصافير فى اقفاصها جوعاً أو حزناً على الفراق. أصبحت الحديقه التى كانت تعج بأجمل الزهور وأندرها صحراء، ماتت الاشجار و تساقطت اوراقها و أصبحت هشيم ولم يبق غيرأجزاعها الساكنه كسكون الموت

لا يغادر فراشه إلا لزيارة الحمّام أو إحضار المزيد من الخمور التى أو شكت على النفاذ. زجاجات فارغه كأفكاره تحاصر سريره كحرّاس الملك فى موكبه و سلطانه. لا يعرف الوقت بل يمكنك القول أنه قد نسى أن هناك وقت يمكن تقديرة وحُسبانه. اهو الليل ام النهار؟ الشتاء؟ الصيف ؟ الربيع ام الخريف؟ لا يعرف. فشباك غرفته لم يُفتح منذ شهور. و ماذا يفيد معرفة الوقت و الايام والشهور والسنين و الفصول؟ حتى الموت أصبح رفاهية يستأثرون به لأنفسهم دون غيرهم

أصبحت حياته كحلم مُخيف ، لا يتذكر منها سوى تلك اللحظات التى يذهب فيها لإحضار المزيد من الخمور يشرب حتى الثماله، و يغمى عليه فاقداً للوعى حتى يشرب المزيد. خرب اليبت الكبير و ضاعت بهجته وزينته ولم يبق منه سوى جدران حجريه لا تسمع فيها صوت غير رنين صدى الصمت


فى تلك الليله، شرب أكثر مما يستطع . حمّل جسده الضعيف فوق طاقته. إستيقظ من غيبوبته المؤقته على أصوات من قد أختارو الفراق وماتو. نظر بإستغراب شديد إلى غرفته فوجدها نظيفه مُرتبه كما عهدها من قبل. لا يوجد أثر لزجاجات الخمر الفارغه. ماذا حدث؟ سمع تغريدات العصافير! فزع من فراشه وفتح شباك الغرفه ليجد الحديقة مليئه بالحياه و الألوان! نظر فى المرآه فوجد شكل قبيح طويل اللحيه رث الثياب تحتل الدوائر السوداء معظم قسمات وجهه! لم يفهم ما يجرى أهو مخمور؟ ماذا حدث؟ فتح باب الغرفه فوجد جميع من مات على طاولة الطعام. يرتدون ملابس ناصعه البياض لا يوجد بها دنث أو غُبار! يأكلون اشهى انواع الطعام وأفخره. يتحدثون لبعض فى حب وودّ و تسامح. خرج من غرفته ووقف أمامهم فلم يهتم أحد بوجوده كأنه شئ لم يكن. جلس على مائده الطعام منتظراً ان يهتم احد به أو يشير الى حضوره! لا يراه أحد كأنه هواء لا قيمة له إلا عند إستنشاقه. بدأ يصرخ من أعماق قلبه، لم ينقطع الحديث أو تتوقف الضحكات

أين هم منه وأين هو؟ لماذا يضحكون و على وجووهم أمن وسلام؟ لماذا لا يراه أحد منهم؟ لماذا لا يسمع احد صيحاته؟ لقد طمعو فى الموت ذى قبل و الآن أيطمعون فى الحياه؟ لماذا يرتدون هم الملابس الجميله و يرتدى هو أقذرها؟

لابد أنه حلم سخيف؟  بدأ يكسر كل ما يقابله من أثاث كالمجنون. تعلو صرخاته و تتغلب عليها ضحاكتهم القادمه من القلب. يأس .. و أنهكه ما قد صنعه من صرخات و خراب. وجد كرسى فى ركن من اركان الغرفه لم يمسه طوفان التخريب الذى قد بدأه. جلس عليه و نظر اليهم مره أخرى بحسرة ! لقد مات مثلهم .. ولكنهم ذهبو إلى مكان أفضل بلا شك


No comments: