#June30 : عندما تتفرق الدماء بين اللُحى




كلنا ركب مع هذا الملتحى الذى طلب من السائق أن يتوقف على "جنب" قبل أن تصل السياره إلى  كمين الشرطه. ينزل الملتحى تحّفه دعوات الركاب بأن يقهر الله الشرطه ويذلهم بحق عزيز مقتدر. تجلس تلك السيدة العجوز فى مؤخرة السياره تمصمص شفاها قائله : ربنا ينتقم منهم. معلش يابنى. ربنا يبهدلهم زى ما هم مبهدلنا. كان البسطاء يشفقون على الملتحين الذين يعانون من قهر الشرطه وتعنت الجهاز الأمنى تجاههم. الأمر اليوم مختلف، الملتحون تلفظهم  الشوارع فى طنطا والمحله والفيوم وغيرهم من محافظات الأقاليم. فأصبحت اللحية دليل على الشراكة فى الجريمة. لن نبحث فى النوايا وما تكنه القلوب. والتعميم جريمه وتعصب ولكن الناس يرون كل ملحتى الآن على أنه دليل وإمتداد للرئيس المؤمن الذى كذب وخان العهود. ربما تشعر بالحزن عندما تقرأ على تويتر نداء من شاب إخوانى بأن يتفادى الإخوه والأخوات النزول الى  الشوارع الليله نظراً لهجوم الشعب على كل من هو ملتحى
30 يونيو لن يكون يوم جميل نتباهى بسلميته، لن تكون هناك لافتات خفيفة الظل نضحك عليها في الميادين. يعلم مرسى وهو الجهول بأن هناك دماء مصريه ستراق. ولكنه لا يهتم. كل تصريحات الأهل والعشيره فى الأسابيع الماضيه هى تصاريح إستفزازيه بها من الغطرسه ما بها. حركة نقل المحافظين الأخيره كان مفادها : إضرب راسك فى الحيط وأعلى ما فى خيلك إركبه. نعت المتظاهرين بالكفر هو الإعلان الرسمى بالحرب. يعلم الله  أنهم لا يريدون نصرة دين أو رفعة شريعه كما يدعون. لو كان أى منهم يقرأ ويعى، لعلم أن بداية الفتنه الكبرى كانت بمقتل عثمان إبن عفان وكان سببها الأول هو تفضيل الأهل والعشيره بالإمارة والإغداق عليهم بالأموال. قُتل عثمان ولم يعرف بأى سيف قتل.
الآن، سيُقتل من يقتل، وستتفرق الدماء بين اللحى والكراسى والآمال السياسيه الوهميه ولن نعرف مِن منْ نقتص. سيتحمل الرئيس وجماعته دماء كل هؤلاء. بل سيتحمل الحزب الحاكم وشيوخه دماء شباب الإخوان الذي سمع وأطاع ونزل يبذل روحه فى سبيل شيئ مجهول وأحلام ورديه ووعود لن تتحق
هنا أتذكر ما قاله أحمد بهاء الدين بأن الفرق الرئيسى بين الإنسان والحيوان هو التاريخ الذى يتعلم منه ويحاول تفادى وتصحيح أخطاء الماضى. فما بالك بهؤلاء الذين نسوا الماضى القريب الذى لم يمر عليه أكثر من عامين.

تلك المدينه (١)

new-york-1


ربما لا أحبها مخلصاً لذاتها. فلا يوجد في العشق زاهد. وربما كان هذا الشعور لأنها فقط تُذكرني "بالأخري". إذن هى الأُلفه. فالحب يزول ويسقط ولكن الأُلفه لا يطويها بُعد أو أسفار. ثمة تفاصيل قديمة تأبى أن تزول أو تندثر.
نسمات شتويه بارده تتسلل من نافذة السيارة بلا إستأذان. لفحات ضعيفه متباعدة لها فعل السياط علي وجهي. لم أحاول رفع زجاج النافذة ولم يظهر علي وجهي إعتراض. رسائل قديمة تحتل الآفاق وتنازعني في تلك المساحة. تتداعي الذكريات في إضطراب. ثقيل معظمها بوزن الذنوب وخفيف بعضها كأرواح العشاق عند اللقاء.
نغمات خجوله صادره من كاسيت السيارة تتعانق مع تلك النسمات ليتحجرّ الوقت وتُصلب آلة الزمن. فأسافر علي بساط مسحور إلي تلك النقطه التي تمنيت أن لا تتحرك بعدها الحياة وأن يطوف الكون ويتعبد في محرابها.
تعترينى نشوة ورديه. وأرانى  أرفع رآيات النصر عندما أمتلك شوارع المدينة بلا غريم .وحدى فى النزع الأخير من الليل، تُبحر السيارة مثل قارب فى محيط بلا أمواج. فجأه أتذكر أنى من هؤلاء الذين يشعرون بالذنب عند السعاده. فتضيع الإبتسامه الموقته. ألوذ إلى صمت الطريق الذى لا يقتله سوى كلمات الأغنيه الجميله، فينبعث فى سواد الليل حياة. نسب الأغانى إلى المطرب جريمة مستمره. أين " أنت عمرى " بدون أحمد شفيق كامل؟ كيف حال " الهوى غلاّب " دون بيرم التونسى؟ يقول جمال الدين الأفغانى : الأديب فى الشرق يموت حياً ويحيا ميتاً. هذا هو حال الأديب فما بالك بكاتب الأغانى.
تسابق السياره أعمدة الإناره المتراصه على جانبى الطريق فى خشوع، وأعود إلى ليلة الوداع الأولى عندما قلت لها........

قريباً: الجــزء الثانى

إبن ناس!

أنا إبن ناس و مش حمل بهدله. قالها بعد أن باع البيعه وترك مشروع العمر الذى وهب من أجله أصدقائه الأرض والزرع والحرث. باعوا كل ما يمتلكون وذهبوا إلى تلك المدينه الجديده وإشتروا مشروع لثلاثتهم. تعاهدوا على العمل الجاد حتى النجاح وبلوغ الأمل. كان كل شيئ على مايرام حتى قرر هو أن يخون حلم أصدقائه ويهاجر. تعرّف على سائحة ألمانيه وقال لهم إنى ذاهب بلا عوده. كنت أنا الحكم، والصديق الغريب الذى عاش فى  الغُربه أكثر من نصف عمره فتطبع بطباع الغرب فى عدم المجامله والصراحه. ولم أدرِ إذا كانت هذه مجامله أم إهانه. طلبوا منى أن إسمع من كل قاص حكايته وروايته. إستمعت إلى الظروف والعهود والآمال. عرفت كم هو سعر فدان الأرض وجرام الذهب . عرفت طرق جديده للتحايل على الربا والقروض. أصغيت الى تلك القصص وعلى وجهى رسمت نظره زجاجيه معناها الجدّ والإهتمام بما يُتلى على. سألت نفسى مرات ما أتى بى إلى هذا المكان. ليس هؤلاء الذى تركتهم. تغوص أفكارى فى بحور من الأحلام والمثاليه الساذجه. رأيتهم يتخذون من شبه الدليل دليلا. يجاهدون مع غير خصم. تتطاير الحروف وسط دخان السجائر الأزرق وسط مقاطعات ومشحانات. لم أنطق بحرف واحد إلا عندما أتي دوره ليتحدث ويشرح أسباب رحيله. عندها قاطعته سائلاً: هتل تحبها؟
قال: ماذا تقصد؟
قلت: السائحه الألمانيه. هل تحبها؟
وعلى وجهه إبتسامة المتملق المنتصر، ظن وظنه الخطأ أنى سأبتسم معه: بل هى تذكرة إياب إلى العالم الآخر!
لعنته وتركتهم يقتل بعضهم بعضاً

إسـلّتُه وخد فلوسك

morsi


ظنت نوال فيشه أن تامر الوحْش لم يكن سوى مجرد تامر كغيره من التوامر ليس أكثر. وأن لقب الوحش ما هو إلا نقباً للعائله فقط وليس صفة وموهبة وجهاد. ولكن بعد إسدال الستائر فى الغرفه المتواضعه، وسيطرة العتمه المصطنعه على جلالة المكان وبدأ تامر الوحش فى خلع ملابسه فى عجاله الملهوف. لم تستطع نوال فيشه رؤيه ما كانت تخفيه هذه الملابس من حقائق. ولكن بعد قُرب اللقاء، وبدأ المعركه الحميمه. آمنت نوال فيشه بأن تامر الوحش قد أخلّ ببنود العقد وشريعة الإتفاق جمله وتفصيلا. لم تجد نوال فيشه بُد سوي محاولة النهوض من أسفل تامر الوحش والصراخ بأعلى صوت:
إسلته وخد فلوسك
وهذا ما يتمني فعلة البعض منا فى ظل هذه الظروف العصيبه من حكم مرسى والأخوان، الصراخ بصوت رجل واحد: إسلته وخد فلوسك يا ريس

ليس هناك قصص تُتلى

rr
إتلو علىّ ما إقترف الآخرون. أصحاب الخبرة والتاريخ، بُناة الإنسانيه وصانعو الحضارات المُرصعة بالحكمة والمقدره. أنبئنى بأخبار هؤلاء الأخيار. تقول الأساطير المُسداه بقطرات الدم الورديه ، أن الشعب قاوم القهر والإستبداد بالإبتسام. سقطت الممالك والحكومات والقياصره بمجرد إبتسامه أو غمزة خجوله على خدود عذراء بتول يتبعها تنهيده. يخلع الرجل نعليه، ويشهر سيفه من غمده رغبة فى القتال، وفجأه تظهر الإبتسامه. فيقع السيف ويخرّ الرجل راكعاً. ليست ركعة إيمانيه ولكنها ركعة إجلال وتقدير لسلاح الإبتسامه
يشرح المنشدون والعارفون ببواطن الأمور، بأن كل الاشرار لا يمكن قتلهم بسهوله و دائما يحتاجون إلى سلاح خاص صعب الحصول عليه لقتلهم والتخلص منهم. ويصدّق على هذه الروايه صناعة السينما منذ قديم الأزل . فمن المستحيل أن يكون الحل لقتل الشرير الأشر هو مجرد رصاصه عاديه أو طعنة من خنجر مسموم. فلابد من أن يكون هناك مثلا رصاصة فضيه فى صندوق ذهبى فى بطن حوت فى أعماق البحار. وهذه هى الرصاصه الوحيده التى يمكنها قتل هذا الشرير

بتــاع الحــياه!

بتاع الحياه
الحياة ، مؤنث رقيق ، جميل بها ما بها من فضائل ومكارم وعليها ما عليها من رذائل وعلل. وأهم هذه الرذائل وأثقلها أن لها بتاع . هناك من البشر من يركب هذا البتاع حتي الثماله صارخاً هل من مزيد.وهناك من يقف بعيد، حاسداً متمنياً ركوبه إملاقاً وتقرباً لبتاع آخر يكون أكبر حجماً وأعظم شأناً وأسرع وصولاً للغاية والمراد. وبتاع الحياه قد يختلف حجمه ومفعوله بإختلاف المرحله التي نحياها والشدائد التي نعاصرها.  هناك من البتاع ما تنوء به العصبة أوليِ القوي. وهناك بتاع ضعيف لا بيهش ولا بينش كما تقول الحكمه الخالده. و كلما زادت رُقعة التخلف وإرتفع مزماز الظلم ,وأصبحت شوكة القهر هى العُليا فى المجتمعات، كلما زاد حجم البتاع وإنتفش رأسه. بل يمكنك القول أن الأبتعه تتعدد وتزدهر بشياع الجهل. فعلاقة بتاع الحياة بالتعليم علاقة متوتره منذ بداية الخليقه، لا تربطها قواعد أو قوانين
التعليم مُنيّم  شديد المفعول وهو من الأسباب الأولي لإرتخاء البتاع. وقلما وجدت مجتمع متعلم مستنير وقف فيه البتاع يوماً أو إنتصب. ولكنك تجد الأبتعة علي كل حجم وشكل في المجتمعات المتخلفة . بل هناك من يقول هذه المجتمعات عباره عن مجموعه من الأبتعة الصلبه يركبها مجموعة من المواطنين. وكلما إستكانوا هؤلاء البشر لهذا البتاع  وإستقروا عليه وإستأنثوا له وتعودوا عليه، ثارو علي حالته وطالبوا ببتاع آخر أكثر نشاطاً وأطول نفساً وبه من العنفوان ما به
منذ الأزل كان هناك البتاع وإلى الأزل سيظل طالما هناك بشر. فهم صانعوا الفتنه ومروجوها وبتاع الحياه هو فتنة من هذه الفتن.وقليل جداً من يخرج سليم معافى من فتنة البتاع. والسؤال الذى وجب سؤاله هنا هو : هل أنت من راكبى البتاع؟ أو من المتملقين؟ أم أنت من هؤلاء الذين لم يفتنهم البتاع ومآربه، فإختاروا العازل الواقى وإستمتعوا فقط بالمشاهده؟