نُشرت فى مصر العربيه - اللينك هنا
كنت صغيراً .. عندما إغتالو محمد الدرة على الهواء مباشرة امام العالم
لم أفهم جيداً ..لم أستوعب..
سألت، أبى رحمة الله، العديد من الأسئلة التى عجز عن إيجاد حل منطقى لها سوى أن يقذف بإحدى صور جمال عبد الناصر، التى كانت تملأ الدار ،فى الأرض..
لازلت لا أفهم.. ولكن جدران الدار بقيت تملأها العديد من الصور الأخرى...
عندما قتلوه، صار موسماً للملحنين والشعراء والموسيقين وبدأ سيل من الأغانى الوطنية التى تندد وتستنكر..
ذات مساء كنت أجلس على احد مقاهى الإسكندرية المتواضعة..
قال صديقى أشرف:
- انا الآخر اريد أن اعمل اميناً عاماً لجامعة الدول العربية أو رئيساً وربما ملكاً عربياً
لم أعترض، واصل كلامة:
- انا اجيد التنديد والإنكار تماماً مثلهم..
لازلت لا افهم، ولكن منذ هذا اليوم وانا يراودنى بين الحين والآخر حلماً جميلا صار يعيش معى ويكبر عندما تزداد سنوات حياتى..
ارأنى اجلس فى يوم مشمس فى احد شوراع القدس. اري المسجد العتيق. السماء واسعه وكأنها أبعد من السماء فى أماكن أخرى. كان الإزرقاق فى كبدها مختلف عن اللون الأزرق الذى نألفه. يجلس معي عجوز باسم الثغر يرتدى عقال جميل وجاكت رمادى فوق جلباب أبيض. كان هو دليلى وكتاب التاريخ الذى أفهم منه مالم افهمه ابدا. اشرب معه شاي جديد. مياة القدس مختلفه تصبغ كل شئ بطعم ربّانى لا نعلمه. يحدثنى العجوز عن ذلك الرجل الميتّ الذى يمشى مبتسماً فى طريقة إلى الصلاة.. هذا شهيد مات فى يافا. تمشى خلفه إمرأه ترتدى ملابس مزخرشه بها بهجه، هذه زوجته لم تهدأ ولم ترتاح إلا عندما ثأرت له. فجرت نفسها فى إحدى نقاط التفتيش. النساء هناك لا ينسن. كيف لإمرأه أن تنسى حضناً منحها الحرية أو ظالم أخذها منها؟
أترى ذلك الشاب الذى يجرى هناك، سوف يولد بعد عام ليأخذ مفتاح داره التى ضاعت من صدر أمه ويعلقه فى رقبته ما ظل حياً ..
أستمع إلى حكايات العجوز ولا تغرب الشمس.. نهار القدس لا ينتهى...
الآن، انظر أنا فى وجو الأبطال على شاشات التلفزيون باحثاً عن هذا العجوز الذى سيحكى لى عن ما حدث وما سيحدث..
No comments:
Post a Comment