طـُوبى للــفُقراءْ


إنحيازى الدائم للمواطن محدود الدخل وللفقراء. هكذا كان يغنى حسنى مبارك فى آخر ايامه. ورغم إنحيازه الدائم للفقر والفقراء، إزداد الفقير فقراً والمريض مرضاً. واصبحنا لا نعرف نوعية الإنحياز بالتحديد. و اليوم، وبعد تنحى مبارك وخلعه، جاء محمد حسان ينحاز هو الآخر الى الفقراء فى مبادرة يعلم الله وحده مقصدها و مبتغاها. في البداية كانت المبادرة حرباً ضد معونة امريكا التى اتخذها كل سياسى و حاكم ورجل دين كسبب للجعجعه و المانشيتات الصحفيه. كانت مبادرة حسان تواكب هجوم المجلس العسكرى على منظمات المجتمع المدنى فى مصر، و بعد قليل من النقد للمبادرة، تغير إسمها الى مبادرة فى حب مصر! ومصر لا تقل بؤساً عن الفقراء. فكم من جرائم إرتُكبت بإسم مصر التى هى بريئه من كل هذه الآثام. واليوم تغيرت المبادرة مرة أخرى لتصبح مبادرة الإنفاق على الفقراء.
أليس أولى بحسان والجنزورى وشيخ الأزهر والمجلس العسكرى بأن يبحثو على أموال مصر المنهوبه على يد مبارك وعصابته بدلاً من اخذ اموال الفقراء لإنفاقها على الفقراء. لم لمْ يطلب المجلس العسكرى او حكومة الجنزورى من الدول الغربيه إرجاع اموال مصر المُهربه؟
طوبى لفقرائك يا مصر الذين يزين التعفف جبينهم و تعتلى العزة رؤوسهم و هم بعيدون كل البعد عن ما يفعله البعض بإسمهم

حملة ابو الفتوح تصل الي نيويورك


في اول ظهور واضح لحملات الرئاسه المصريه في الولايات المتحدة، كانت حملة الدكتور ابو الفتوح هي الاولي التي تدق ابواب المصريين في نيويورك. اجتمع عدد من المؤيدين للدكتور ابو الفتوح اليوم في مقر مجتمع المسلمين الامريكين في ضاحية استوريا بكوينز. بدا الاجتماع بتقديم أعضاء حملة الدكتور ابو الفتوح للحضور من الاستاذ خالد لماضه احد مسولي منظمة ماس بنيويورك
شرح خالد لماضه ان باب منظمة ماس مفتوح لجميع مرشحي الرئاسه لعرض برامجهم الانتخابيه علي ابناء الجاليه وليس مقصوراً علي هولاء الذين يتمتعون بخلفيه إسلاميه كالدكتور ابو الفتوح او غيره
المستوي التنظيمي للقا اتسم بالتواضع و عدم النظام في بدايته حيث تعطل البروجكتر واللاب توب و غيرهم من الأدوات الضروريه لمؤتمر كهذا. العذر لدي منظمة ماس ان هذا المركز جديد و تم افتتاحه من ايام معدوده
بدا الدكتور محمد بالقاء كلمته التي بدات بتاريخ الثوره المصريه والقضا علي نظام مبارك في ١٨ يوم. اطال الدكتور محمد نوعا ما في الحديث عن الثوره و لم يتطرق عن مضمون حملة الدكتور ابو الفتوح مما جعل بعض من الحضور يقاطعه و يطلب منه الحديث مباشرة عن الحملة
طالب خالد لماضه الحضور بالصبر والسماح للرجل بالحديث
عند خطة النقطه آمنت بان اللقا لن يتم لان هناك بعض الاشخاص الذين تعمدوا مقاطعه الرجل عن الحديث و مهاجمته ببعض الأسئلة الغير ضروريه

بعد ان انتهي الرجل من الحديث عن الحملة بدات مشكله اخري الا و هي طريقة أخذ السؤال والاجابه عليه. اقترح الاستاذ خالد لماضه ان يكتب الحضور أسئلتهم في ورقه و سيمر شخص ما بتجميعها ، و لكن هذا الاقتراح لاقي اعتراض من البعض متهمين المنظمين بترتيب الأسئلة و تحضير إجاباتها مسبقا. اقترح هولا المعترضون ان يقوم كل شخص بالسؤال بنفسه في الميكرفون

عند هدة النقطة بدات اجمع ادواتي والاستعداد لمغادرة المكان حيث وجدت عدم اهمية وجودي نظرا للمقاطعه الدائمه وأسئلة البعض التي يتسم بعضها باتهامات خفية للدكتور ابو الفتوح وحملته

نوعية بعض الأسئلة كانت علي النطاق التالي
هل سيقوم الدكتور ابو الفتوح بمحاكمه المجلس العسكري ؟
هل الدكتور ابو الفتوح هو الرييس التوافقي؟
لماذا شكر الدكتور ابو الفتوح المجلس العسكري علي حنكته في إدارة البلاد في الفترة الانتقاليه؟ كان هذا خبر مكتوب في المصري اليوم و قدا قراه احد الحضور كاملا 
ماهي مصادر تمويل حملة الدكتور ابو الفتوح ؟ و هل صحيح ان الامير الوليد بن طلال هو الممول الرييسي للحمله؟

ملاحظات
الجدير بالذكر ان الحضور كان قليلا نوعا ما نظرا لعدم الدعايه اللازمه للاجتماع. وايضا اتسم بعض من الحضور بالميول الفلوليه بين الجاليه . وكذلك كان هناك حضور واضح للجهة الامنيه للسفاره التى ارسلت مندوبها  الامنى لحضور الاجتماع واخذ ملاحظات.  كان هناك شخصين فى الحضور دائما المقاطعه والهجوم على المتحدثين. لا استطيع الجزم انهما حضرا خصيصا لإفساد الاجتماع ام انها مجرد صدفه
علمت بعد مغادرتى ان خناقة من نوعا ما قد نشبت بين بعض الحضور واتهام بعضهم بعضا بالفلول او خيانه الثوره او ماشابه ذلك

موقع منظمه ماس على الانترنت هنا
لمشاهده بعض الفديوهات للاجتماع هنا . سوف اقوم برفع باقى اجزاء اللقاء لاحقا
لمعرفة المزيد من الأخبار، يرجى زيارة موقع النادى المصرى الامريكى على الفيس بوك  



قــال هُدنْه قال

خدى هُدنه يا حنان .. مش كل يوم والتانى خناقه مع الجيران
حنان : دى ست قليلة الأدب و لسانها طويل. كل يوم تنشر غسيلها على غسيلنا و أرجع انا أغسله تانى .
ما انت لو بتغسل و تكنس وتمسح ما كنتش جيبت سيرة الهدنه دى. قال هدنه قال.
انا طول اليوم شقيانه وهلكانه و هى تقوم من النوم الظهر متزوقه و متأنتكه على سنجة عشره، تغسل لها قميصين و تبوظ لى انا غسيل الأسبوع.
قُطعت دى سكنه .. كان يوم إسود يوم ما جينا هنا. قال هدنه قال
قوم انت يا خويا إدهن إوضة العيال .. أحسن من الهدنه بتاعتك دى .. قال هدنه قال .. شالله يا هدنه

نظر إلى زوجته .. حبيبة القلب .. رفيقة العمر .. تذكّر .. الثانويه العامه .. الجامعه .. الكورنيش .. البحر.. الفريسكا. نظر اليها متسائلاً عما اصابها. تأمل شعرها الأسمر الطويل الذى ربطته بشئ ما يبدو و كأنه ملائة سرير قديمه أو شوال و ربما سجاده صغيره. لم يجزم ما هو بالتحديد. اين ذهبت رقة  وحنان حنان و دلعها؟ تحولت حنان الى وحش جاسر بعد أن كانت حمل وديع.

حنان : قال هدنه قال.. شوفو الرجل   والنبى ! ده بدل ما تطلع تضربها جوز اقلام؟ الله يرحمك ياماما .. تيجى تشوفى الهدنه اللى انا فيها.

بلاشك تغيرت الظروف .. و تغيرت معها حنان. ما هو الجديد الذى طرأ.. الدنيا تتغير ولكن حنان كانت المفروض تبقى كما عهدها رقيقه .. بسيطه .. مُحبه وديعه لا تتغير!


دخل غرفة الأولاد و أغلق الباب ومازال يسمعها تصرخ من اعماقها .. قال هدنه قال
اخذ الفرشاه و بدأ فى دهان الحائط  فى خطوط متوازيه باللون الأزرق  الهادئ كالحياة التى طلبها وحلم بيها يوماً. مازال يفكر من اين اتى الخلل لعاشقين كبرا معاً فى نفس الشارع والمدرسه والجامعه. لابد ان هناك مرض فى الهواء لم يصل العلم لعلاجه و تشخيصه.
فتح باب الغرفه وإختلس نظره على زوجته مازالت تقول : قال هدنه قال ..

نظره مره أخرى على شعرها آملاً ان يعرف بماذا تربطه ولكنه فشل أن يحدد ولكنه حدد الإختيارات بين الشوال و ملائة السرير  . بالتأكيد سوف يسألها عندما تهدى الأمور وتمر العاصفه. نعم أنها عاصفه ولكنها ستمر كغيرها من العواصف السابقه : عاصفة المسكن الجديد، ومدارس الأولاد والسياره و المطبخ الصغير المساحه  و الجيران و ملابس الشتاء و مواعيد الدكتور و موقف التاكسى و اسعار الخضار و اللحمه وتسريحة شعره والحلاق الذى يذهب اليه و بوادر الكرش التى ظهرت عليه فجأه و تلك الشعيرات البيضاء التى أعتلت مقدمة رأسه و غيرها  من العواصف التى مرت جميعها بسلام و بأقل الخسائر. هى الحياة اذن، مجموعه من العواصف فى بحر العلاقات الإنسانيه التى مهما تعقدّت لابد لها أن تمر بسلام. كل العواصف تبدأ و تنتهى فى نفس البحر. الإختلاف الوحيد فى حجم الخسائر. تمر الأفكار فى رأسه بسلاسه الفرشاه  على الحائط.. ينظر بفخر الى عمله ومجهوده على الحائط الأزرق... يبتسم إبتسامة الفاتحين يوم النصر .

إنتهى من الحائط الثانى و وجب عليه إتمام الثالث والرابع بنجاح وفى أسرع وقت حتى لا ينتهى اليوم كما بدأ بعاصفة جديده. عاود العمل فى همة و نشاط ولكنه توقف فجأه عن العمل عندما سمع صوت موسيقى قادم من غرفه المعيشه ! فتح الباب وإختلس نظرة أخرى ليجد زوجته تغنى وتتمايل مع نغمات أغنيه شعبيه شهيره و هى تضرب السجاده بمنفضده طويلة الحجم عظيمة الشأن ! تتراقص حنان و تتراقص معها المنفضده و كذلك غطاء شعرها العجيب. فرح بما رأى و ترك العمل و ذهب اليها ليشاركها الغناء وضرب السجاده. ضحكا الزوجان كثيرا و تراقصا مع الأغنيه .  و فى غمار الرقص والضحك وضرب السجاده، نظر الى عينيها الطفوليه. تلك العيون الحالمه التى اسقطته فى شباك غرامها منذ النظره الاولى، ودّ ان يسألها عن غطاء شعرها ولكنه تراجع حتى لا يضيع فرحة اللحظه و الضحكات التى ندرت. تعبا الزوجان من الرقص والضحك و جلسا على مقعد قريب يلتقطا انفاسهما المتسارعه
نظر اليها و سألها : أحنا جرى لنا إيه؟
بكت و لم ترد.

جَنّه و نَارْ


مات كل من يحب. لم يبق منهم أحداً. رحل الجميع دون سابق إنذار أو سبب مقنع غير الموت نفسه. تركوه وحيداً لا يعرف ماذا يصنع بوقته و حياته الفارغه. تركو له ذلك المنزل الفسيح الذى لا يستخدم نصفه و لا يعرف أين يجد أبسط الأشياء فيه. ماتو بلا معاناه أو عذاب. أليس الإنسان مخلوق ضعيف خُلق من وهن؟ يمرض و يشفى؟ فأين مرض الموت الذى عنه تتحدثون؟ كيف لهم أن يرحلو بتلك السهوله؟ يا لها من أنانيه و عشقاً للذات.  لم يجد شئ غير أن يلوم الموتى ومن تركو له الدنيا بما فيها

لم يغادر المنزل لشراء اى شئ. فكل شئ كان موجود حتى الخمور اجودها واثمنها. لم يهتم بشكله وملابسه ولما ؟ و هو لم ير شخص منذ ان حضر الموت وفاجأه. أتسخت ملابسه و أصبحت رثة كروحه التى لا يعرف مدخل لها أو سبيل. أصبح المنزل مظلم كئيب لم ينظفه احداً منذ اسابيع. ماتت العصافير فى اقفاصها جوعاً أو حزناً على الفراق. أصبحت الحديقه التى كانت تعج بأجمل الزهور وأندرها صحراء، ماتت الاشجار و تساقطت اوراقها و أصبحت هشيم ولم يبق غيرأجزاعها الساكنه كسكون الموت

لا يغادر فراشه إلا لزيارة الحمّام أو إحضار المزيد من الخمور التى أو شكت على النفاذ. زجاجات فارغه كأفكاره تحاصر سريره كحرّاس الملك فى موكبه و سلطانه. لا يعرف الوقت بل يمكنك القول أنه قد نسى أن هناك وقت يمكن تقديرة وحُسبانه. اهو الليل ام النهار؟ الشتاء؟ الصيف ؟ الربيع ام الخريف؟ لا يعرف. فشباك غرفته لم يُفتح منذ شهور. و ماذا يفيد معرفة الوقت و الايام والشهور والسنين و الفصول؟ حتى الموت أصبح رفاهية يستأثرون به لأنفسهم دون غيرهم

أصبحت حياته كحلم مُخيف ، لا يتذكر منها سوى تلك اللحظات التى يذهب فيها لإحضار المزيد من الخمور يشرب حتى الثماله، و يغمى عليه فاقداً للوعى حتى يشرب المزيد. خرب اليبت الكبير و ضاعت بهجته وزينته ولم يبق منه سوى جدران حجريه لا تسمع فيها صوت غير رنين صدى الصمت


فى تلك الليله، شرب أكثر مما يستطع . حمّل جسده الضعيف فوق طاقته. إستيقظ من غيبوبته المؤقته على أصوات من قد أختارو الفراق وماتو. نظر بإستغراب شديد إلى غرفته فوجدها نظيفه مُرتبه كما عهدها من قبل. لا يوجد أثر لزجاجات الخمر الفارغه. ماذا حدث؟ سمع تغريدات العصافير! فزع من فراشه وفتح شباك الغرفه ليجد الحديقة مليئه بالحياه و الألوان! نظر فى المرآه فوجد شكل قبيح طويل اللحيه رث الثياب تحتل الدوائر السوداء معظم قسمات وجهه! لم يفهم ما يجرى أهو مخمور؟ ماذا حدث؟ فتح باب الغرفه فوجد جميع من مات على طاولة الطعام. يرتدون ملابس ناصعه البياض لا يوجد بها دنث أو غُبار! يأكلون اشهى انواع الطعام وأفخره. يتحدثون لبعض فى حب وودّ و تسامح. خرج من غرفته ووقف أمامهم فلم يهتم أحد بوجوده كأنه شئ لم يكن. جلس على مائده الطعام منتظراً ان يهتم احد به أو يشير الى حضوره! لا يراه أحد كأنه هواء لا قيمة له إلا عند إستنشاقه. بدأ يصرخ من أعماق قلبه، لم ينقطع الحديث أو تتوقف الضحكات

أين هم منه وأين هو؟ لماذا يضحكون و على وجووهم أمن وسلام؟ لماذا لا يراه أحد منهم؟ لماذا لا يسمع احد صيحاته؟ لقد طمعو فى الموت ذى قبل و الآن أيطمعون فى الحياه؟ لماذا يرتدون هم الملابس الجميله و يرتدى هو أقذرها؟

لابد أنه حلم سخيف؟  بدأ يكسر كل ما يقابله من أثاث كالمجنون. تعلو صرخاته و تتغلب عليها ضحاكتهم القادمه من القلب. يأس .. و أنهكه ما قد صنعه من صرخات و خراب. وجد كرسى فى ركن من اركان الغرفه لم يمسه طوفان التخريب الذى قد بدأه. جلس عليه و نظر اليهم مره أخرى بحسرة ! لقد مات مثلهم .. ولكنهم ذهبو إلى مكان أفضل بلا شك


عــِــيدْ مــِيــلادْ سـَعـِيدْ

اخذت الدكتورة آمال أجازة من الجامعه العريقه التى تعمل بها فى أحد الدول الأوربيه. فالأسبوع القادم ستقوم بزيارة وطنها الأم بعد طول إنقطاع وإنتظار. أخيراً، ستقوم بحضور عيد ميلاد شقيقتها الصغرى أحلام التى ستدخل نادى ذوات العشرين وتصبح إمرأه صغيره. مرت الأيام بسرعه البرق يا آمال، ها هى أحلام التى كانت طفلة صغيره تعبث بأوراقك الدراسيه عندما كنتى تذاكري للثانوية العامه قد كبرت و دخلت الجامعه.غداً ستحب و تعشق وربما تتزوج وتصبح أم . لم تر آمال شقيقتها منذ عقود لظروف السفر والدراسه. كانت تتألم عندما تتحدث معها فى التليفون و تسألها الصغيره اذا كانت ستحضر اى من أعياد ميلادها. و كانت الإجابه دائما لا. حيث العمل والغربه والظروف. اللعنه على الظروف. تلك الكلمه البسيطه التى علّق عليها الإنسان الأسباب منذ بداية الخليقه. اللعنه على عوائق الاحلام والمسافات و فروق التوقيت و ما تسبب فيه من فروق فى الحياة

كانت آمال بالنسبه لأختها الصغير أم ثانيه فوق امها الحقيقيه. كان هى من تدلعها وتسمح لها بالممنوعات من شيكولاته وحلوى وعدم إحترام مواعيد النوم الصارمه التى وضعتها والدتهما. و كانت أحلام بالنسبه  لآمال الإبنه التى لم تحمل بها وتلدها. كانت امهم هى رمز الصرامه والقوانين فى الأسره الصغيره. كان صوت الحق و مزمار الغلط والعيب والحلال والحرام. وكان الاب رقيق القلب عادل. قام بتربية الأختين على احسن وجه !كان يعاملهن كولدين احيانا. علمهن الرمايه وحب الرياضه. سمح لآمال بالسفر والغربه بمفردها منذ الصغر حتى حصلت على أرفع درجات التعليم فى جامعات عريقه. نست أو تناست آمال الزواج والحب والجنس الآخر. و لم يجبرها والدها على تقبل اى شئ لم تقتنع هى به. كانت ترى نظرات امها الحزينه لها لعدم رغبتها فى الزواج ولكنها كانت دائما ترسم البسمه والفخر على الوجوه بتفوقها العلمى والدرجات الرفيعه التى وصلت و تدرجت إليها. تذكرت آمال كل هذا و هى تقوم بتحضير حقيبة سفرها و على وجهها ابتسامة قلب مفعم بالإشتياق. تذكرت أيضا تلك الليله الصيفيه الجميله عندما كانت تجلس فيها الأسره فى بلكونه منزلهم المطل على البحر. جلس الأربعه يتسامرون وتعلو الضحكات حتى ساعات الفجر الأولى. عندها تذكرت عندما مزح معها والدها عن سبب تسميتها بإسم آمال ولما إختار أحلام للأخت الصغرى. وكيف أنه رفض أن يبوح لها بسر الإسمين. وقال لها سيأتى اليوم المناسب لمعرفة السبب. حين ذاك لسعتها قشعريرة من بلاد الشرق الدافئه لتنتصر على صقيع الدوله الاوربيه والعيون الزجاجيه.

إنتهت آمال من تجهيز الحقائب وتركت مكاناً خاصاً للهدية التى سوف تقوم بشرائها لأختها الصغرى. لابد من شراء شئ خاص ثمين فى باطنه الحب كله و فى ظاهره اعتذار رقيق على عدم حضور اعياد الميلاد السابقه. لكن ماذا تشترى آمال. فأموال الدنيا لاتغنى عن لحظه جميله مع من تحب او ذكرى ترسم على وجهك الابتسامه. ولكنها الدنيا والظروف الجاهزه دوماً وأبداً لخلق الأعذار
وجدت آمال غايتها ومُقصدها فى سلسلة ذهبية أنيقه تتدلى منها عروس البحر. وكم تحب أحلام عرائس البحر وحتى هذه اللحظه فهى مقتنعه بل مؤمنه كل الإيمان ان عروس البحر كائن موجود ووجوده حق كحقيقة الارض والسماء والشمس والقمر والخير والشر.

ركبت آمال سيارة التاكسى من المطار قاصدة مسكنها فى ذلك الحى العتيق. جلست فى  المقعد الخلفى وهى  تبتسم كطفلة صغيره فى طريقها الى مدينة الالعاب المسحوره. المسافه من المطار الى مسكنها لا تتعدى النصف ساعه ولكنها مرّت كنصف قرن. إنه الإشتياق للأهل ولكل ما قد مضى ولم يبقى منه إلا ذكرى ترسم ابتسامة ما عند الحاجه والضيق.
نزلت آمال من التاكسى واعطت له كل ما تملك من مال وشكرته بحرارة. نظرت الى الشارع ورأت سيارات كثيره تقف على مقربة من منزل الأسره. تعرفت آمال على بعض من السيارات : فهذه سيارة عمها الأكبر وتلك سيارة خالتها وأولادها. أبتسمت آمال وقالت أن الاسره بأجمعها هنا للإحتفال بعيد ميلاد آحلام. يا له من يوم لا ينسى. اندفعت آمال نحو الباب ولكنها وجدته مفتوح ! دخلت بهدوء حتى تفاجئ الجميع بوصولها. لم تجد آمال بالونات  أو شموع أو موسيقى او بهجة الوان عيد الميلاد ولكنها وجدت دموع وملابس سوداء و سكينه هبطت على من بالمنزل جعلتهم كأعجاز نخل خاويه. و قفت آمال فى منتصف الغرفه صامته ساكنه كحقيبة سفرها التى تركتها على الباب. لم تنطق بحرف واحد، و أجاب الحضور صمتها هذا بدموع و آهات مكتومه كصرخات قتيل يتسجير من اعماق الارض. لم تعِ آمال ما قد حدث . لم تسأل عن نوع المُصاب و لكنها نظرت سريعا للوجوه فوجدت الجميع  إلا آحلام صاحبة العُرس، ذات العشرون ربيعاً !!

إستيقظت آمال لتجد نفسها فى سرير لأحد المستشفيات. لا تعرف اين هى وماذا حدث. نظرت على يمينها لتجد محلولا ما قد عُلّق فى يديها ، وعلى يسارها وجدت والدتها نائمه على مقعد قريب من السرير. بكت آمال بكاء المظلوم الذى يستغيث فى منتصف الليل. ايقظت دموعها والدتها لتشاركها البكاء هى الأخرى. لم ينطق اى منهما بجملة مفهومه أو كلمه مفيده تتبع علوم  اللغه من النحو و الإعراب ولكن لغة الدموع هى  اللغه التى تخاطبن بها الإمرأتين. من يصبر الآخر فى موقف كهذا؟ من يمتلك شجاعة العقلاء ليواسى الآخر ويأخذ على يديه؟ ماتت آحلام فى عيد ميلادها العشرين . ما تت احلام من غير أن تراها آمال وتقدم لها عروسة البحر الذهبية. ماتت آحلام من غير أن تتقبل أعتذار آمال على الغياب والإنقطاع بحثاً عن الشهادات والدرجات العلمية الرفيعه. أين أنت يا تلك الظروف حتى أخلق الأعذار؟

وقفت آمال بجوار أبيها أمام قبر آحلام. ترتدى الأسود ، أخفت عينيها الذابله بنظارة سوداء تغطى نصف وجهها. تحمل فى يمينها باقة من الزهور يتوسطها سلسله عروسة البحر الذهبيه. تلك الهديه التى لم تصل لمن كُتبت له. تلك الهديه التى لم يكتب لها أن ترى الإبتسامه فى عينى آحلام عندما تراها. لم تستطع النظارة السوداء من إخفاء الدموع.  ربت الأب على كتفى آمال وقال لها : عندما تضيع الآحلام، سيكون هناك آمال لتخلق آحلام جديده. نظرت اليه آمال بإستغراب ولم تع ما يقول. نظر اليها وهو يمشى بعيداً عن القبر قائلا: كان هذا السبب وراء الإسمين آمال و آحلام.