أين أنت يا بائع الفريسكا ؟






(1)
 كنت أراقبه قبل إندلاع الثوره. يتخذ من كورنيش البحر فى سان ستيفانو مستقرا ومقاما. يعطى ظهره إلى البحر ناظراً الى الشارع وبجواره صندوق الفريسكا الزجاجى النظيف. عجوز قديم، أقدم من البحر وما به من أسرار وصدفات. على وجهه تاريخ وعلامات مفحوره فى تجاعيده الصادقه. لا يتكلم ولكن تقوم إبتسامته بهذه البلاغه بدون حروف
(2) 
خلال أيام الثوره الأولى ، غيّر العجوز من مقعده، فأعطى ظهره إلى الشارع والمتظاهرين ووجهه إلى البحر. ساكن فى مجلسه كصندوق الفريسكا بجواره. لا يتحرك وكأنه فى حوار عميق مع الموجات الزرقاء التى تفقد عنفوانها على رمل الشاطئ الناعم
آلاف المسيرات تمر من عليه وسط هتافات حاره مطالبة بسقوط النظام وهو لا يزال متأملا للبحر متجاهلا النداءات الصادره عن المتظاهرين.
(3) 
فى اليوم الثالث، يجلس فى نفس مكانه ولكنه الآن يصطاد! إتهمته بالجنون وعدم المبالاه والسلبيه. لماذا لا ينضم إلى تلك الحشود العظيمه. لا يوجد غيره على كورنيش البحر. الجميع غاضب مشارك فى التظاهرات فى جميع أنحاء البلاد حتى البحر كان غاضب مشاركا فى التظاهرات بموجات مرتفعه
(4) 
مع إختفاء الشرطه ودخول الجيش إلى المدينه وظهور أول دبابه فى شوارع الإسكندريه، كان الهتاف فى القاهره الجيش والشعب إيد واحده، وصدّق الرجل العجوز على هذا الهتاف بعد أن قام من مكانه وعزلته وأخذ فى توزيع الفريسكا مجاناً على الجنود! فى مساء نفس اليوم، رأيت ظابط فى الجيش يصفع فتاة بالقلم فى حيوانية واضحه لأنها إعترضت على سؤاله لها عن وجهتها. رأيت أيضا ظابط آخر يقوم بتركيع شاب صغير على ركبتيه فى ذلة ومهانه. حاولت تصورير المشهدين خلسة وهربت بعد أن رآنى الظابط وأمر جنوده بمطاردتى.
(5) 
فى صباح اليوم التالى، رجعت أبحث عن بائع الفريسكا كى أ حدثه عن الجيش الذى يعطيه الفريسكا مجانا وماذا فعل بالأمس، لكنى لم أجده. ذهبت كثيرا ولم أجده. ربما مات، أو كفر بالجيش والثوره والدنيا والحياه، ربما غرق فى البحر وصادق الصدفات، أو ربما قتلوه عن طريق الخطأ

No comments: