قال الموسيقار محمد عبد الوهاب: أول لحن لي كان سخيفا وبايخًا. وماذا عن الحب الأول في حياة عبد الوهاب؟



في لقاء بين مصطفى أمين ومحمد عبد الوهاب، سأله مصطفى أمين الكثير من الأسئلة، هذا جزء منها:

(..وسألت عبدالوهاب مرة : هل تذكر أول لحن لحنته؟! وضحك عبد الوهاب :وقال قد تستغرب أن أول لحن لي كان كلاما سخيفا بايخا لا معنى له . لم يهتم أحد بأن يعطيني قصيدة الحنها أو أغنية أضع موسيقاها، وحدث أن كنت أقرأ فى جريدة، وكان شيء في داخلى يريد أن يخرج كموسيقى، وقرأت خبرا عن نقل حضرة الفاضل الصاغ المأمور على المفتي إلى مدينة زفتى ووجدت نفسى ألحن هذا الخبر أحوله إلى موسيقى وأنغام، وأردده وأغنيه


ولكن أول أغنية حقيقية لحنتها من نظم أحمد شوقى بك أمير الشعراء. كان ذلك فى فرح ابنة شوقى، ودعا شوقى بك زعيم الأمة لحضور فرح، واعتذر سعد بأن صحته لا تسمح له بالسهر فتقرر أن يبدأ الفرح ساعة الخامسة مساء.


وعندما سمعت بهذا النبأ جن جنوني كنت أعشق من طفولتي هذا الرجل، ألف على الصواوين التى يخطب فيها، واندس بين المتفرجين سمعه وهو يخطب، كنت أقف على سور الأندية لأشاهده من بعيد، هذه فرصتي لأراه عن قرب، لأشمه، وفى تلك المناسبة كتب شوقى أغنية زفة عروسة وهي تقول دار البشاير مجلسنا، وليل زفافك مؤنسنا، إن شاء تفرح يا عريسنا، إن شاء الله دايما تفرحنا». وغنيت الأغنية أمام سعد وأبدى اعجابه بها، ورأيت وأنا أغنى أصابعه وهي تدق على حافة الكرسي. 


جعلني اعجاب سعد على أن أمضى فى التلحين وغنيت أغانى بسيطة مثل «فيك عشرة كوتشينة» وبعض أغانى تهجيص، ولم يكن شوقى وقتها مستعدا أن ينظم لى قصائد أو أغاني.  

قلت لعبد الوهاب : أعرف أنك وأنت ولد صغير كنت تغنى أغاني الحب؟ مثلا نظم لك شوقى فى بداية حياتك أغنية تقول «شبكت قلبي ياعيني شوفى بقى مين يحله؟» إلى أن يقول «توحشنى وأنت ويايا، واشتاق لك وعنيك في عينيه، واتذلل والحق معايا، واعاتبك ماتهونش على؟ كيف تلحن هذه المعاني التي تنبض حبا وعشقا وهوى وغراما دون أن تحب وتعشق وتهوى وتغرم؟ 

قال عبدالوهاب : أول مرة خفق قلبى للحب كان عمرى تسع سنوات كان حبا خطيرا من أخطر ألوان الحب التي هزت حياتي كانت سيدة عمرها ٢٥ سنة ! أكبر منى بتسعة عشر عاما، كانت تسكن بجوارنا في حي الشعراني، وكان زوجها كاتب وقف المسجد، كانت اسمها خديجة، سيدة رائعة الجمال، طويلة، سمراء، عيناها ،واسعتان لا أزال أذكر أسنانها البيضاء، ابتسامتها الحلوة المنورة، عندما تضحك كنت أرى نورا ينبعث من شفتيها من شدة بياض أسنانها وجمالها، وكانت تحب صوتي، وكانت تطلب منى أن أغنى لها «عذبينى فمهجتى فى يديك " فكانت تحتضنى وتنظر إلى عينى نظرة ساحرة، فأذوب بين يديها وأحس بمتعة وهناء غريبين وإذا بزوجها يغار منى ويطردنى ويمنعني من دخول البيت ويضربني ولم يكتف الزوج بذلك فأبلغ أخى الشيخ حسن فانهال على ضربا، ولكن هذا الضرب لم يشفنى من الحب بقيت أحبها ولا ألقاها، وأغنى لها ولا ألقاها إلى أن التقيت بزينب!

كنت ألتقى بأصدقائى فى منزل واحد منهم بالحلمية كان يسكن بيتا فخما وكنت أغنى لهم، وسمعتنى زينب فأعجبت بي ورأيتها فهمت بها غراما، والتقيت بها في حوش البيت وأعطتنى منديلا وبقى المنديل معى ١٥ سنة أشمه فأجد فى عطره رائحة حب حقيقي لحنت عدة أغاني حب والمنديل فى يدى، كان المنديل يوحى لى بالنغم، كنت أرى فيه صورتها، أشم فيه رائحتها ورائحة الحب، سافر أخو زينب في بعثة فى لندن فانقطعت زيارتي لبيت حبيبتي، ومرت سنوات ورأيتها في 
قطار الاسكندرية فى سنة ۱۹۲۸ وكنت أصبحت عبدالوهاب المشهور الذي غنى «يا جارة الوادى» و «مريت على بيت الحبايب» وأحسست بشعور غريب، أحسست بذكرى حزينة مؤلمة ولكنها لذيذة، عجيب أن تجتمع اللذة بالألم، أحسست بمتعة وبلذة الذكرى، وبألم الفراق فى وقت واحد، سألتها: ازيك يازينب ؟ وعملتى إيه ؟ وجدتها ست ،بيت متزوجة، سيدة سمينة معها طفل، هذا المنظر قضى على إحساسى الأول، رأيت شيئا آخر، وليست هذه هي زينب التي عشت أحبها وأحلم بها وألحن على صورتها تجاهلت صورتها الأخيرة، وبقيت فى خيالى صورتها الأولى، زينب فتاة الحلمية صاحبة المنديل
.)

No comments: