يحكي مصطفى أمين عن غرام كامل الشناوي بالمطربة نجاة (حتى وإن لم يذكر اسمها صراحة) ويقول: الشناوي:
(وكان كامل يقول: إن ولعي بالجمال لا يقف عند حد، فأنا أحب الجمال في الطبيعة والفن والأخلاق والمرأة».
وعشت معه حبه الكبير الأخير وهو الحب الذي أبكاه وأضناه وحطمه وقتله في آخر الأمر، أعطى كامل لهذه المرأة كل شيء: المجد والشهرة والطبل والزمر والدعاية والشعر، ولم تعطه شيئا أحبها فخدعته، أخلص لها فخانته، جعلها ملكة فجعلته أضحوكة، وقد كتب قصيدة «لا تكذبي إنى رأيتكما معا في غرفة مكتبي بشقتي فى الزمالك وهي قصيدة حقيقية ليس فيها مبالغة أو خيال حتى إن الموسيقار عبد الوهاب سماها «إني ضبطكما معا!!
وكان كامل ينظمها وهو يبكي كانت دموعه تختلط بالكلمات فتطمسها، وكان يتأوه كرجل ينزف منه الدم الغزير وهو ينظم، وبعد أن انتهى من نظمها قال إنه يريد أن يقرأ القصيدة على المطربة بالتليفون وكان تليفوني بسماعتين، أمسك هو سماعة وأمسكت أنا وأحمد رجب سماعة في غرفة أخرى، وتصورنا أن المطربة ما تكاد تسمع القصيدة حتى تشهق وتبكي وتنتحب ويغمى عليها وتستغفر وتعلن توبتها.. وكان في رأى أحمد رجب ورأيي أن هذا منظر تاريخي يجب أن نحضره.
وبدأ كامل يلقى القصيدة بصوت منتحب خافت تتخلله الزفرات والعبرات والتنهدات والآهات مما كان يقطع القلوب، وكانت المطربة صامتة لا تقول شيئا ولا تعلق ولا تقاطع ولا تعترض وبعد أن انتهى كامل من إلقاء القصيدة قالت المطربة:
- كويسة قوى.. تنفع أغنيها.. لازم أغنيها! وانتهت المحادثة التاريخية ورأينا كامل الشناوي أمامنا جثة بلا حراك!
وكتب إليها يلعنها ويقول: "لم يعد بيننا ما يغرى بأن أخدعك أو تخدعيني، فقد خرجت من حياة نفسي لا تدهشي.. فالحياة التي أحياها اليوم لا يربطني بها إلا ما يربط الناس بحياتهم من أمل ويأس أو راحـة وعـذاب.. انها حياة لا أتحرك فيها، ولكن أتمدد كجثة.. وهي لا تضمني بين أحضانها ولكن تلفني كالكفن!
في استطاعتي الآن فقط أن أصارحك بحقيقة قصتي معك، لقد خدعتني وخدعتك، خدعتني بكذبك الذكي، وخدعتك بصدقي الغبي.. ظللت سنوات أتوهم أنك تحبينني فجريت وراءك بقلبي الأبله ومشاعري.. الحمقاء.. وخلال تلك السنين كنت أنتزع من نفسي خلجاتها وأقدمها لك فى، آهة، دمعة، كلمة قصيدة.. وقد دفعك إيمانك بصدق عاطفتي إلى أن تمارسي حقوق حواء بقدرة وجدارة.. فغدرت بوفائي وضحكت من دموعي"
وسمع كامل الشناوي أن حبيبته المطربة الكبيرة عندما علمت بعذابه قالت لأصدقائها:
- مسكين كامل الشناوي.. لقد دمرته الغيرة..
وكتب كامل يقول لها "صدقيني إذا قلت لك إنني لست مسكينا، ربما كنت كذلك لو أنني استسلمت للوهم الذي علقني بك، ولكنني قاومته ورفضت، وجعلت من كبريائي حصنا يحميني منك، ومن قلبي ولا شيء يقوى أن يدمرني لأنني أحيا، وما دمت أحيا، فإن العواطف التي تهب من حولي لا تزيدني إلا قوة على مواجهة الأعاصير، إنني لست كثيبا من الرمل، تبدده حفنة من الهواء، ولكنني جبل لا أبالى العاصفة، بل احتفى بها، وبدلا من أن تزمجر فى الفضاء أجعلها تغنى من خلال صخوری وليس صحيحا انى أغار من أى إنسان تعرفينه فالغيرة لا تكون إلا ممن تحبينهم، وقد عرفت بالتجربة أنك لم تحبى إلا ذاتا، واحدة، لا أستطيع أن أغار منها لأنها مختبئة في ثيابك انك تحبين نفسك، وتغارين ممن يشاركونك حبها، بل إنك تناصبينهم العداء، ومن أجل ذلك عاملتينى كما لو كنت عدوك الطبيعي.. أحببتك فكرهتني، قدمت إليك قلبي، فطعنته بخنجر مسموم"
ومضت المطربة تثير كامل الشناوي بأنها تعشق فلانا الطبيب، وتحب علانا المحامي، وتخرج مع ترتان المهندس!
وكتب كامل يقول لها: " ليتك تعلمين أنك لا تهزيننى بتصرفاتك الحمقاء فلم يعد يربطني بك إلا ماض لا تستطيع قوة أن تعيده إلينا أو تعيدنا إليه.. كنت أتعذب فى حبك بكبرياء، وقد ذهب الحب، وبقيت لي كبريائي كنت قاسية فى فتنتك، ونضارتك وجاذبيتك، فأصبحت قاسية فقط".
وكان كامل يحاول بأي طريقة أن يعود إليها، يمدحها ويشتمها يركع أمامها ويدوسها بقدميه يعبدها ويلعنها، وكانت تجد متعة أن تعبث به يوما تبتسم ويوما، تعبث ساعة تقبل عليه وساعة تهرب منه، تطلبه في التليفون فى الصباح ثم تنكر نفسها منه فى المساء، وكان يقول انه لا يفهمها، وهي امرأة غامضة لا أعرف هل هى تحبنى أم تكرهني هل تريد أن تحييني أم تقتلني؟
وكتب عنها يقول: "أنا لا أفزع إلا من شيئين، آلام مرض لا أعرفه وغموض امرأة أعرفها.. وقد أتحمل آلام المرض، بأمل أو يأس، أما غموض المرأة فلا يجدي معها أملى فيها أو يأسى منها.. إن غموض الرجل يثير فيه ريبة أصدقائه فيبتعدون عنه. والمرأة الغامضة تثير الريبة فيمن يحبها. ان كل خلجاته، ونبضاته تظل تسأل في حيرة عن سر هذا الغموض، إذا أبدت الرضى ظن أنها تخدعه، وإذا غضبت منه اعتقد أنها تكرهه.. وإذا كانت وحدها سعى إليها فيحس وحده أنه فضولي متطفل، ضيف غير مدعو! وإذا أقبلت عليه فكر فيما ينطوي عليه إقبالها من نيات ماكرة".
واستمرت لعنة الحب الفاشل تطارده، وتعذبه، وكان يعتقد أن الهجر قتله وأنه لم يبق إلا موعد تشييع الجنازة وكان يجلس يكتب كل يوم عن عذابه وكان يخيل إلى أنه كان يكتب كل يوم نعيه. وفوجئت به يتردد على المقابر، ولم تكن هذه عادته، وسألته ماذا حدث فابتسم ابتسامة حزينة وقال: أريد أن أتعود على الجو الذي سأبقى فيه إلى الأبد.
وقد كتب يصف رحلته إلى المقبرة يقول:
"ما أعجب هذه الصحراء، كل شيء فيها يشبه الآخر، الناس متشابهون فى حركاتهم والانقباض البادي في مسحات وجوههم، القبور متشابهة، كلها أحجار وطوب وزهور وماء يبل الثرى، كلها يضم عظاما نخرة.. هنا، تحت المقابر تساوت الأعمار، والقيم، الشاب والشيخ، والذكي والغبي من كان له مثل أعلى في الحياة، ومن غادر الحياة ولم يكن له فيها مثل أو هدف ووصلت الى المقبرة التي تعودت أن أزورها فى أكثر من مناسبة، ففيها يرقد أحبابي الذين تركوا حياتي وذهبوا إلى حيث سنذهب مثلهم.. حاولت أن أبكيهم فتعثرت الدموع في محاجري.. حاولت أن أرثيهم فلم تنطق منى إلا كلمات خرساء، ووقفت في خشوع، ثم جثوت فوق التراب الذي ضمهم بالأمس وسيضمني غدا، وحنيت رأسي اجلالا للموت الذي احتواهم بين ذراعيه.. بهاتين الذراعين سيحتويني يوما أيها الموت أنا لا أخافك.. ولكنى لا أفهمك.. فمن تكون؟ هل أنت تنزف دماءنا وأعمارنا لتروي ظمأك؟ أم لتروي ظمأ الحياة؟ ما أنت يا موت.. وما الحياة يا أسفى على أني أعيش حياتي ولا أعرفها، وألقى الموت دون أن أعرفه. أيتها الصحراء، يا مدينة القبور والموتى إذا جئت إليك محمولا في نعش فاستقبليني بروحك الوديعة التي شعرت بها اليوم، عندما جئتك محمولا فى سيارة ".
ومات كامل الشناوي.. ومضت السنون وقابلت المطربة التي كان يعشقها وقلت لها: إنني كرهتها طول حياتي منذ قصيدة «لا تكذبي إني رأيتكما معا»!
قالت: انني لم أحبه، هو الذي كان يحبني.. إنني كنت أحبه كصديق فقط. وطلب منى أن يتزوجني فرفضت لأننا نختلف في شيء أنا رقيقة وهو ضخم، أنا صغيرة وهو عجوز أنا أجد متعة فى أن أجلس مع الناس، ومتعته أن يجلس معي وحدي أنا لا أريد أن يعرف الناس من أحب، وهو يريد أن تعرف الدنيا كلها أنه يحبني
قلت لها: إن أصدقاءه يعتقدون أنك فتلتيه ! قالت: لا.. إنه هو الذي انتحر!
سألتها: تقصدين أنه انتحر حبا؟ قالت بل انتحر غيرة ولم أصدقها طبعا...)
No comments:
Post a Comment