ولم يكن أبو العلاء يحرص على شيء كما كان يحرص على أن يُنْشَرَ ميت من الموتى، فينبئه وينبئ الناس بما وراء الموت. ومِنْ قَبْله طُلِب هذا إلى الأنبياء فلم يَظْفَر طالِبوه بشيء، ولم يَظْفَر أبو العلاء بما لم يَظْفَر به غَيْرُه، فظلَّ في حيرة كما كان الذين جحدوا
البعث من قَبْله في حيرة أيضًا. نستغفر لله!
بل إنَّ أكثر الذين جحدوا البعث مِنْ قَبْلِه، لم يكن لهم عقْلُه وذكاؤه، ونُفوذ بصيرته، فلم يفكروا في عاقبةٍ، ولم يُشفقوا من مغبَّة، وإنما قالوا هي حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلَّا الدهر. وما كان شيءٌ أحبُّ إلى أبي العلاء من أن يقول كما قالوا، ولكنه لم يستطع أن يقوله؛ لأن عقله كان يمنعه من ذلك؛ ولأنه لم يكن قادرًا على أن يتصور أن الناس خُلِقوا عبثًا، أو تُرِكوا سدًى.
فلم يكن له بدٌّ إذَنْ من أن يسأل نفسه، ومن أن يسأل الناس، ومن أن يسأل حيوان الأرض وجمادها، وكواكب السماء ونجومها، عما عسى أن يلقى الناس بعد أن تُطْلَق نفوسُهُم من هذه السجون.
مع أبي العلاء في سجنه - طه حسين 1935
No comments:
Post a Comment