رأي أبي العلاء في المرأة
فنقول: «إن كان لأحد أن يسخط على أبي العلاء أبي العلاء، فهي المرأة، فقد احتقرها، وأنكر عليها أكثر مزاياها، وأمعن في إساءة الظن بها، وأسرف في ذلك إسرافًا بلغ به أن رأى السعادة في خلو العالم منها، فقال:
بدء السعادة إن لم تخلق امرأة فهل تود جمادى أنها رجب؟
ورأى أنها لا تصلح للحياة العامة مطلقًا، وتَمَثَّلها غادرة متهالكة على لذاتها، منهمكة متفانية في شهواتها، لا تعرف الوفاء، ولا تدرك للحب الصادق معنى، تتجهم للرجل إذا قل ماله، وتخونه لأتفه الأسباب.
وبهذه العقيدة المتعنتة اندفع يشدد عليها الحجاب، وينهاها عن دخول الحمام، ويحرم عليها أداء فريضة الحج، ويحظر عليها الصلاة في المسجد، وينصحها بالعدول عن طلب العلم، فإذا لم يكن لها بد من طلبه، فحسبها منه أن تحفظ بضع أبيات يلقنها إياها شيخ أعمى، أنهكه الكبر ، فخانته قواه وارتعشت من الضعف يده. وعليها أن تكتفي بهذا القدر اليسير دون أن تحاول الاستزادة، أو تطمح إلى التعمق في فهم ما حفظته، فإن ذهنها الضيق لا يتسع لذلك، ولا حاجة بها إليه.
أما القراءة والكتابة فإنها مفسدة لها. ولو شئنا سرد ما قاله في ذلك، لخرجنا عما قصدنا إليه، ولكن حسبنا أن نجتزئ هنا
بقوله:
علموهن النسج والغزل والرد ن،وخلوا كتابة وقراءة
فصلاة الفتاة بالحمد والإخلا ص، تغني عن يونس وبراءة
وقوله
ولا يدنين من رجل ضرير يلقنهن آيا محكمات
سوى من كان مرتعشا يداه ولمـتـه مـن الـمـتـثـغمـات
وليس لأبي العلاء من حسنة تذكرها له المرأة إلا سخطه على وأد البنات – إن كان يصح اعتبار هذا الواجب الإنساني حسنة، فقد قال:
لا تولدوا، فإذا أبي طبع، فلا تئدوا، وأكرم بالتراب مصاهرا
على أن هذا الرأي هو أقل ما ننتظره من رجل لم تقف به الشفقة عند تحريم أكل الحيوان على نفسه، إشفاقا عليه، بل وصلت إلى حد أن أنكر على الناس قتل البرغوث،
فقال:
تسريح كفك برغوتا ظفرت به أبر من درهم تعطيه محتاجًا
وأخذ يدلل على ذلك فقال:
كلاهما يتوفى – والحياة لا عزيزة - ويروم العيش مهتاجا
على أنك، إذا آنست منه حرارة الدفاع عن قتل البرغوث في هذين البيتين، آلمك ما تلمحه من الفتور، حين يدافع عن وأد البنات في قوله: «وأكرم بالتراب مصاهرا.»
فقد ترى فيه نهيًا مشوبا بشيء من التردد والحذر ، بل إن شئت فقل من الرضى والتماس العذر». ولا يذهبن الوهم بالقارئ، فيحسب أن أبا العلاء كان مع كل هذا التحامل يكرهها أو يقتص منها لترة في نفسه منها، فقد كان على العكس من ذلك، شفيقا رحيما بها، وإنما دفعه إلى تنقصها وتمني خلو العالم منها، حدبه العميم على الإنسان. ولما كانت أداة النسل ومجلبته وهو لا يرى في غير انقراض النسل حاسمًا لشقاء المرأة في رأيه هيا العالم، فلا جرم خصها بأكبر قسط من سخطه، ونقم عليها وجودها.
وقد ساعده على سوء ظنه بها واحتقاره ،مواهبها ما كانت عليه في عصره من الانحطاط الخلقي والضعف النفسي، وما اكتظت به الآداب العربية التي درسها من تنقص المرأة والافتنان في ذكر مثالبها.
----
النص من حواشي وتفسير رسالة الغفران تحقيق كامل كيلاني
No comments:
Post a Comment