جلال أمين: ثروت أباظة رجل ذو موهبة محدودة للغاية
مفهوم الأديب والكاتب عند الشاب الصغير ثروت أباظة كان مفهوما بدائيا للغاية، وخاطنا إلى أبعد مدى. ذلك أنه كان يعتقد أن الأديب هو الشخص الذي يكتب بلغة عربية سليمة فلا يخطيء في تطبيق قواعد النحو والصرف، فيرفع الفاعل دائما وينصب المفعول، ويحفظ بعض أبيات الشعر ويستخدمها لدعم وتأييد بعض المعاني التي عبر عنها (على طريقة أو كما قال الشاعر)، ويعرف معاني بعض الكلمات العربية الصعبة أو غير المألوفة التي لا يعرفها معظم القراء ويحتاجون (أو) قد يحتاج هو نفسه المعرفة معانيها إلى الكشف عنها في القواميس. ليس هذا في حد ذاته أمرا غريبا أو غير مألوف، فكثيرون من الأولاد في سن الصبا والمراهقة يتصورون الأمر على هذا النحو الذي لا يميز بين الأديب الموهوب ومدرس اللغة العربية، أو بين القصة أو الرواية الناجحة وبين موضوع الإنشاء النموذجي والمرصع بكلمات غير مفهومة بتاتا، والذي كان يطلب منا بعض المدرسين أن نحفظه عن ظهر قلب «التقوية» في الإنشاء، وكنا نتندر
به أيحانا ونسخر منه حتى فى تلك السن، إذ كنا ندرك بفطرتنا الخطأ الذي ينطوي عليه بسبب افتقاده لأي تلقائية وبعده عن التعبير الصادق عن الواقع. كنا مع ذلك كثيرا ما نقدم على كتابة مثل هذه الموضوعات الإنشائية، إما مسايرة لمدرسي اللغة العربية أو استسهالا للأمر، أو لعجزنا عن أن نفعل أي شيء أفضل من هذا لم يكن هذا مدهشا فى حد ذاته، وإنما المدهش هو أن هذا الشاب الصغير ثروت أباظة ظل ثابتا عند هذا الاعتقاد منذ أيام صباه الأولى وحتى نهاية حياته، مما يظهر حتى في عناوين رواياته ومقالاته، إذ يظهر فيها تفضيله للمظهر الفخم والعبارات الرنانة، حتى لو خلت من المعنى على التعبير البسيط الذي ينقذ إلى القلب مباشرة بصدقه وواقعيته.
ها هى على سبيل المثال عناوين بعض رواياته: هارب من الأيام»، ثم تشرق الشمس»، «لقاء هناك»، «شيء من الخوف»، «أمواج ولا شاطيء»، «جذور في الهواء»، «خيوط السماء»، «أحلام» في الظهيرة»، «النهر لا يحترق.. إلخ. كما أن له مسرحيتين إحداهما بعنوان «الحياة لنا»، والأخرى بعنوان يصعب تصديقه هو «حياة الحياة»، وأما مجموعات قصصه القصيرة فها هي عناوين بعضها: «الأيام الخضراء»، «ذكريات بعيدة»، «لأنه يحبها»، «السباحة في الرمال»، وبقي شيء». وأما سيرته الذاتية فهي بعنوان "ذكريات لا مذكرات" ويصفها بأنها "سيرة شبه ذاتية"، والله أعلم بما هو الفرق بين الذكريات والمذكرات وبين السيرة الذاتية والسيرة الشبه ذاتية.
... الأمر للأسف مع ثروت أباظة: عناد وإصرار ومثابرة وإلحاح للحصول على اعتراف الناس به كأديب كبير وروائي موهوب وكاتب صحفي قدير وهو في الحقيقة غير مؤهل بمقتضى استعداداته الفطرية لأي شيء من هذا.
- كتب لها تاريخ - جلال أمين
No comments:
Post a Comment