مصر تردُّ على تقرير "هيومان رايتس" بنظرية "اعمل نفسك ميت"!


كاتبنا الكبير أحمد بهاء الدين قال أن الفرق بين الإنسان والحيوان هو التاريخ. أي أن الإنسان يتعلم من الماضي والأخطاء السابقة فلا يقع فيها مرة أخرى. تنطبق هذه المقولة على الحكومات والأفراد. الحكومة الحكيمة تتعلم من التجارب الماضية. فما بالك بأن هذه التجارب "الماضية" حديثة، دماءها طازجة فى الطرقات لم يغّمق لونها بعد؟ لماذا يراهن النظام على أن الشعب ينسى من يعذبه؟ كيف للنظام المصري أن يتناسى خالد سعيد و ما حدث فى ٢٨ يناير ٢٠١١. قال صديقي أن الشعب لم ينتفض على مبارك فى ٢٠١١ بسبب الفقر وضيق الحال فقط ولكن السبب الأساسي هو الحرية والكرامة التي أراد الشعب أن ينتزعها من حبيب العادلي وزبانيته.  
بعد توصية من الكونجرس، قررت الولايات المتحدة تخفيض المساعدات الأمريكية لمصر نظرًا لتدني مستوى الديمقراطية وحقوق الإنسان فى البلاد. هيومان رايتس ووتش تصدر تقرير جديد صادم عن التعذيب الممنهج المستخدم ضد المواطنين لانتزاع اعترافات فى جرائم جنائية وسياسية. لجنة مناهضة التعذيب فى الأمم المتحدة تصدر تقرير مماثل عن التعذيب والتضييق على الحريّات فى البلاد. كل هذه المؤسسات والمنظمات الدولية تتفق على أن هناك تعذيب تقوم به الشرطة وجهاز الأمن الوطني.

نجد فى  تقرير الهيومان رايتس ووتش ١٩ حالة محددة تم تعذيبها، لماذا لا تبحث الحكومة وتحقق فى هذه الحالات كي تجد الحقيقة لأن النفي بالحقائق والدلائل كما نعمل أقوى بكثير من أساليب النطاعة والتناحة ونظرية إعمل نفسك ميّت. الإجابة بسيطة، أنه لو قامت الحكومة فعًلا بالتحقيق، ستجد آلاف الحالات وسوف تثبت صدق كل حرف فى هذا التقرير. ما ستجده الحكومة سيكون إثبات التهمة ولن تجد دليل براءة واحد. الشعب المصري لا يحتاج إلى قراءة هذا التقرير لأنه لم يأتِ بجديد، فالشعب يُعذّب منذ حين ولن يهم أن نقرأ تقريرًا جديدًا يقول لنا هذه الحقيقة. فى هذا الوقت تجد العديد من الناس لهم قريب، صديق، جار، زميل عمل، دراسة، أو مجرد معرفة من بعيد تم تعذيبه أو سجنه أو تهديده دون وجه حق.

لم تكلف الحكومة المصرية النائب العام بفتح تحقيق علني وصريح لمناقشة أي من هذه التقارير مثلما تفعل الحكومات التي تبحث عن الحقيقة، أو على الأقل تريد أن تنفي عن نفسها تهم جادة وجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم مثل تعذيب المواطنين بشكل ممنهج. ولكن الحكومة أمرت بحجب موقع الهيومان رايتس ووتش لينضم إلى أكثر من ٤٠٠ موقع محجوب فى مصر. لم تكتفِ الحكومة بذلك، بل أمرت بالقبض على كل من يرّوج أو ينشر هذه التقارير! حجبت الحكومة الموقع أولًا ثم اتبع الحجب العديد من التصريحات الحكومية الكوميدية للعديد من النواب والمسؤولين مثل أن منظمة الهيومان رايتس ووتش لها ميول إخوانية وأن المنظمة تابعة لوزارة الخارجية الأمريكية التي تدين بولائها بشكل معلن لدولة قطر! حتى الآن لم تعرف الحكومة بأي تهمة يمكن لها أن تتهم لجنة مناهضة التعذيب فى الأمم المتحدة! برامج التوك شو هى الأخرى لم تتوقف عن ابهارنا وأخذت على عاتقها استفزاز الحس الوطني عند المواطنين والعودة إلى دفة المؤامرة الأمريكية. حتى أن مذيع شهير قال بالحرف (إلى متى نتحمل البهدلة الأمريكية. نحن بغير حاجة من الأساس إلى هذه المعونة حتى تتحكم بنا الحكومة الأمريكية بهذا الشكل). بالطبع يريد المذيع الشهير أن يعكس الآية ويُملي وهمًا على المستمعين أن الحكومة الأمريكية قامت بتخفيض المعونة لأننا دولة متمردة عليهم أو أننا نقف لهم النّد بالنّد. لم يشرح المذيع الشهير أن تخفيض المعونة سببه هو عدم إحترام حقوق الإنسان.

سبحان مغير الأحوال. نفس المذيع كان يتغنى غزلًا فى الإدارة الأمريكية الجديدة وحكمة وزارة خارجيتها عندما مدح ترامب حذاء السيسي، الآن يصف العلاقات الأمريكية بالبهدلة ووزارة الخارجية الأمريكية تابعة لدولة قطر! كيف يتخيل هؤلاء أن نأخذهم على محمل الجد؟ الحكومة تعلم علم اليقين أن هذه التصاريح وربط منظمة مثل هيومان رايتس ووتش ووزارة الخارجية والكونجرس الأمريكي بالرشاوي ما هي إلا نكات سخيفة لا يمكن تصديقها ولكنها تأبي أن تتخذ خطوات حقيقية فى إصلاح منظومة الأمن وعلاقته بالمواطنين.






أن تكون رقمًا فى منظومة الظلم


نُشرت في هافنجتون بوست 


كان سبب الوفاة الأشهر فى تاريخ وزارة الداخلية هو (هبوط حاد فى الدورة الدموية). كل من لا يستطيع أن يتحمل الضرب والتعذيب كان يموت دائمًا بهبوط حاد فى الدورة الدموية. تطور الأمر وأصبح هناك من ينتحر بكوفية فى عز الصيف على غرار أفلام هوليوود أو يختفي لمدة شهور ثم تُلقى جثته على جانبى الطريق الصحراوي. ثم ظهرت أخيرًا موجة التصفية. تقرأ خبر أن الشرطة تقوم بتصفية خلية إرهابية بعد تبادل فى إطلاق النار. أصبح هذا عادي ومألوف وتقرأه بين الحين والآخر تمامًا مثلما تقرأ حالة الطقس. الأسوأ من الظلم هو التعود عليه.الداخلية تتهم، وتحكم، وتقوم بتنفيذ الحكم في الحال. حتى فى موضوع التصفية خارج إطار القانون، بالماضي القريب  كانت الشرطة تقوم بعقد مؤتمر صحفي صغير -بعد قتل من تريد-لعرض الأسلحة التي استخدمها "الإرهابيون" أو القنابل التي كانوا يقوموا بتصنيعها. حتى هذا المؤتمر الصحفي الوهمي والأدلة الخادعة لم يعد هناك حاجة إلى القيام بها.

منذ أيام قررت النيابة حفظ التحقيق فى قضية المرحوم جيكا الذي قُتل فى أحداث محمد محمود فى 20 نوفمبر 2012. أصيب بمقذوف فى رأسه ومات بعد 5 أيام من وصوله إلى المستشفى. بعد خمسة سنوات من موته قُيدت القضية ضد مجهول لعدم التوصل إلى الجناة.  فى تصريح الدفن كتب سبب الوفاة : قرار نيابة رقم 79 لسنة 2017 أمن دولة. هكذا بكل بساطة سبب الوفاة هو قرار النيابة المتمثل فى مجموعة أرقام.

نعم يوجد فى العديد من تصاريح الدفن أن سبب الوفاة هو قرار للنيابة. لكن الأمر يبدو عريبًا عندما تقرأه و تراه عينك و تسأل كيف يكون قرار النيابة سببًا للوفاة بشكل أو بآخر. هل يكون تأخير العدل سبب للوفاة؟ أن يسجن متهم 3 سنوات حبس إحتياطي أيعتبر ذلك نوع من أنواع القتل؟. أن تُستخدم السلطة القضائية لمساعدة إخفاء الحقائق وأحيانًا وتزييفها أذلك جريمة؟

منظومة العدل من الألف إلى الياء هي منظومة ظالمة ولابد أن تتغير وتتطور. لن يعود أي شيء لما قبل يناير ٢٠١١ وهذا ما يتجاهله النظام. لن تستطيع إخفاء جرائم التعذيب. تقارير المنظمات الحقوقية الدولية والأمم المتحدة سوف تستمر فى فضح الحقائق ولن تستطيع حجبها إلى الأبد. الدول الغربية لها برلمانات حقيقية حرة ذات سيادة تسأل حكوماتها عن جهات إنفاق المعونات والحكومات التي تتلقاها. بدلًا من محاولة تعطيل الحق وإخفاء الحقيقة لابد من مواكبة هذه الدول حتى يصبح الفساد والظلم أمور شاذة وأن يكون العدل هو الطبيعي والمتوقع.

والله لو سخّرت ألف مليون شيخ وقسيس وداعية يخطبون ليل نهار بشرعية حكمك، لو إشتريت كل القنوات الفضائية والإذاعية والجرائد والمجلات كي يتغازلون بالإنجازات الوهمية ولو حجبت كل المواقع المستقلة وكسرت كل الأقلام ذات الألوان المختلفة، لن تستطيع حماية نظام كهذا إلى الأبد. ربما يتأخر العدل ولكنه لابد أن يعود. الشرعية تُصنع وتُكتسب من حرية الشعوب. الحرية فقط هى التى تمنح الدولة قوة وهيبة حقيقية وليست تلك الهيبة الزائفة التي يُسجن بها المعارضة. عندما يكون الشعب حر، يحب وطنه بدلًا من أن يكرهه هذه الكراهية التي تحنق المواطنين إلى حدود بعيدة وتدفعهم إلى أنواع بشعة من القسوة. القسوة تولد الغضب الذي سيكون انتقامًا للكرامة المهدورة والوعود الخائبة والرجاء الكاذب. لن تفلح محاولات أي نظام يريد من شعبه أن يتحمل كل شيء بمذلة وأن يخضع خضوع تام دون أي احتجاج ليكون مجرد رقم فى قائمة حكومية للمعتقليين والمسجونين والمقتولين. ببساطة شديدة جدًا لا يمكن تدمير الإنسان بسبب إرادته البسيطة فى أن يكون حرًا. هكذا قال وليام فوكنز.

لماذا يكره الطغاة الابتكار

\


كتب  الأستاذ صلاح عيسى فى كتابه حكايات من دفتر الوطن :
" ….إن عذاب مصر الحقيقي قد بدأ منذ حصر العقل المصري فى إطار المسلمات النهائية التى لا تقبل المناقشة-وكان هدف الطغاة باستمرار أن يفقد هذا العقل قدرته على التفكير والحركة لذلك ركزوا  كل جهودهم على تحطيم حيوته وتبديد قدرته على الابتكار. وكان أخطر ما فعلوه أن حولوا هذا العقل إلى عقل يعرف جيدًا علامات "التنصيص" ويجهل علامات الاستفهام والتعجب. عقل يفقد تدريجيًا الحاسة النقدية التي تمكنه من تحطيم المحرمات التي تحول بينه وبين الثورة على واقعه وانتزاع مقدراته من أيدي الطغاة…"

يحارب الطغاة العقل ويكرهون الابتكار.  يحرقون الكتب ويكسرون الأقلام ويغلقون المكتبات. فلا يجيد الطغاة إلا بناء السجون الواحد تلو الآخر حتى يصبح الوطن نفسه سجن كبير. سيكون هناك سجناء رأي وسجناء كلمة وسجناء مقالة وسجناء رواية وسجناء مسطرة وسجناء مترو وسجناء تي شيرت وسجناء جنازة وسجناء مباراة كرة! تتبدل طموحات الشعوب وتتغير الأماني من حلم  العيش الكريم والحرية والكرامة والعدل إلى مجرد أحلام سائدة للنجاة والبقاء على قيد الحياة. أن تحصل على قوت يومك هذا هو الفوز الكبير حتى تتبلور فكرة الهروب فى الرؤوس. أمّا الهروب الحدودي إلى بلاد أخرى أو الهروب إلى قصص الخيال لخلق حكايات مرتبطة باللاوعي المجتمعي والانتصار على الواقع المرير و تحقيق العدل والمساواة وردم الهوة بين الباشوات الجدد من أصحاب الوشاحات والنسور والنجوم والسيوف والنياشين والمواطن البسيط الذي لا يحمل أي درجة أو رُتبة سوى صفة المواطنة التي تقتله كل نهار.

تموت الحضارات والفنون ولا يبقى سوى التغني بالذكريات والبكاء على عظمة الماضي لأن الحاضر مؤلم والمستقبل مجهول. سوف تختفى الآداب ولا يوجد إبداع جديد. سوف ينهزم التطور والتقدم والإختراع لأن الحاكم وضع قالب معين وحدود جائرة لا يمكن تعديها وبالتالي يصبح أي إنتاج صورة طبق الأصل من الأخر. ربما اختلفت العناوين ولكنه نفس القبح المسموح به. نفس العناوين تتصدر صحف مختلفة، نفس البرامج التلفزيونية وإن اختلف الميعاد ومقدم البرنامج، نفس الأحكام القضائية، ربما تتوحد الملابس لأن درجة الفقر ستكون واحدة. حتى سبب الوفاة سيكون واحد، القتل أو القهر .سوف تجد شيخ حبيس لأنه لم يحلل الظلم ويشجعه مثل الأغلبية من رفاقه، سيخرج علينا دعاة كالمسخ يلهون الناس بالجنس مع الموتى والبهائم وملابس المرأة وتفاصيل جسدها. ستنحصر المواهب اللازمة للترقي والوصول إلى الدرجات العلى إلى موهبة واحدة شاملة كل المواهب من التملق والنفاق ولحس عتبات المسؤولين. سيعلو شأن أنصاف الموهوبين الذين يجيدون مهارة التلوّن والتغيّر على حسب ما تتطلبه المرحلة ومن يجلس على مقعد الحكم.

دائمًا يقوم الطغاة بخلق عدو وهمي لإلهاء الشعوب واستفزاز الحس الوطني لديهم. ستخرج علينا مصطلحات جديدة بعد أن أهلك الطغاة الأوائل المصطلحات البالية مثل تحديات ومؤامرات وعبور وهيبة الدولة إلخ إلخ. سترتبط درجة حبك للوطن ارتباطًا وثيقًا بمدى فقرك وحاجتك. سيُعاد تعاريف الوطنية إلى مدى تحملك الإهانة والمهانة وإيمانك بالأكاذيب والمشاريع الوهمية التي لا تسمن ولا تغني من جوع. الإعتراض يعني العمالة. تقصي الحقائق يدل على خيانتك. إبداء الرأي هو نقص في التربية وإهانة لرموز الدولة. لابد أن تتقبل الخطاب الحكومي كما هو وكأنه وحي سماوي لا يقبل التأويل. ستجد دول كاملة تزول وتهلك ولا تترك من التراث إلا مباني رمادية قبيحة تحرسها أسوار عالية من الحديد الصدأ. كل ما سيبقى للتاريخ من بلادنا روائح دم وجماجم موتى وكرسي من الذهب يجلس عليه ديكتاتور ظالم تقتله الوحدة.

العذر بالماضي، كان الجهل بجرائم الحكومات




قال صديقى بصوت جهوري يرسم نبراته الغضب:
  • كل من ساند الانقلاب من الكتاب والممثلين والفنانين والمبدعين لابد عليه أن يخرج على الملأ ويعتذر حتى يُقبل اعتذاره!
قاطعته مازحًا:
  • ربما يجهلون أنه انقلاب!
لطالما تناقشنا فى هذه النقطة عن علاقة المثقف بالسلطة وتعريف الوطنية ومتى كانت المعارضة خيانة. صديقي يمثل قطاع عريض من الناس لن يغفر ويسامح العديد من المبدعين والفنانين. هل يجوز أن تحب فى فى هؤلاء فنونهم وترفض مواقفهم السياسية؟هل هناك فرق بين الفنان والإنسان؟ هل يحارب المثقف من أجل مساحته الشخصية فقط أم من أجل المجتمع الذي يحيا فيه؟ هذه نقاط مهمة ولها ثقلها فى هذه النقاشات التي لا نخرج منها عادة بنتيجة حاسمة ونهائية ترضى جميع الأطراف.
تذكرت مزحتي مع  صديقي باحتمالية جهل الفنانون بالانقلاب وأنا أشاهد فيلم (Judgment at Nuremberg) الذي يحكي عن محاكمة من المحاكمات العسكرية التى تبعت هزيمة النازي الألماني بعد الحرب العالمية الثانية. كانت هذه المحاكمة-قصة الفيلم-  بالتحديد لوزير العدل والمدعي العام وقاضيان. فى أحد المشاهد الجميلة، نشاهد المتهمين فى كافتيريا السجن يتحدثون فى ذهول بعد أحد الجلسات، ويسأل قاضي من المتهمين زميلًا له:
  • هل كنت تعلم أي شيء عن حرق اليهود؟ هل يعلم أي منكم عن معسكرات أفران الغاز الذي تحدث عنها المدعي العسكري فى جلسة اليوم؟ هل قرأ أحدًا منكم شيئًا عن هذا؟
فيرد جميعهم:
  • لا طبعًا!
إذا قرأت فى تاريخ النازي الألماني، ستجد أن هتلر وإعلامه بقيادة جوبلز قد جعلا ألمانيا فى عيون شعبهم مهددة بالخطر وأنها تحارب من أجل البقاء لا من أجل التوسع والجنون والنقاء العرقي. قدم الإعلام الهتلري مصطلحات مثل العدو الخارجي والمؤامرات الداخلية والتحديات وعقبات البناء وكلها مصطلحات يُعاد تدويرها فى بلادنا الآن. الفرق هو أن وسائل الإعلام حينها لم تكن كما هي فى عصرنا هذا. إذا حدثت جريمة فى أقاصي الشرق، شاهد أهل الغرب الفيديو بعد تنفيذها بدقائق. لقد شاهدنا حروب مثل حرب الخليج على الهواء مباشرة. كم من مرة استمعنا إلى مسؤول كاذب وبعد ثواني نقدم له دليل كذبه وإدانته؟

فى الفيلم دافع أحد القضاة المتهمين عن نفسه وقال أن كل الأحكام التي حكم بها ضد المواطنين كانت تُملى عليه وأنه كان يظن أن ما يفعله هي الوطنية الصائبة. وأن هؤلاء هم حقًا أعداء الوطن الذي يجب الخلاص منهم حتى تنعم البلاد بالرخاء والأمن والاستقرار.
كذلك دافع جميع المتهمين عن أنفسهم إلا وزير العدل هو الوحيد الذي لم يحاول الدفاع عن نفسه والهروب من المسؤولية. على النقيض قال أنه يجب معاقبته لأنه لم يسأل و يستقصي ويتحرى ويستخدم عقله ويعارض ويعرف الحقيقة بل يجب معاقبة العالم والدنيا كلها معه لأن هذا العالم وقف صامتًا عندما رأى طاغوت يكبر ويتوحش أمام أعينهم ولم يفعل أي شئ إلا بعد قتل ستة ملايين روح!
رسالة الفيلم وحبكته جاءت على لسان المحامي الشاب الذي كان يدافع عن هؤلاء. كان يطالب بأنه لا يجب محاكمة ألمانيا كلها على جرائم الحكومة لأن معظم الناس كانوا لا يدرون شيئًا عن هذه الجرائم. أي أن العُذر الوحيد هو الجهل بجرائم الحكومات. تُري الآن وكل شئ مسجل صوتًا وصورة ما هو عُذر الناس للحكومات المجرمة؟ بل السؤال الأصوب ما هو عذر الناس لأنفسهم؟ لماذا يشارك بعض الناس هذه الحكومات فى إجرامها يا أمًا صامتًا أو مدافعًا عنها. لماذا يساعد السجين سجّانه ويحارب المقتول بجوار قاتله؟

لماذا لا يوجد مصطلح (هيبة الدولة) إلا فى مجتمعاتنا




نَاصَر إحسان عبد القدوس ثورة عبد الناصر 52 رغم تأميم روزاليوسف. وكتب العديد من المقالات المؤيدة للثورة. هاجم في أحد مقالاته رئيس الوزراء علي ماهر وطلب بإقالته نظرًا لعدم اهتمام ماهر بقانون الإصلاح الزراعي. مُنعت مقالة إحسان عبد القدوس الذي هرول إلى جمال عبد الناصر يشكو له الرقيب. قال له عبد الناصر أن الرقيب برئ وأنه هو-أي عبد الناصر- من منع المقال من النشر! وهنا احتار إحسان عبد القدوس لأن عبد الناصر قال له أنه يتفق فى كل حرف مكتوب فى المقال وأنه واثق فى اخلاص إحسان ووطنيته. ولكنه لا يستطيع أن يترك صحفي يهين رئيس الوزراء: 
"الثورة الآن تحكم يا احسان وحرصي على الثورة كنظام حاكم يحتم عليّ أن أمنع هذا المقال. أنني لا أريد أن أرسّخ فى أذهان الشعب أن هناك من يقترح على الثورة فتنفذ اقتراحه حتى لو كان هو عين الصواب. لا أريد أن يتصور الناس أن هناك وصاية على الثورة. تصور يا إحسان لو أن الثورة نشرت مقالك اليوم. ثم أقالت وزارة على ماهر غدًا وشكلت وزارة جديدة تصدر قانون الإصلاح الزراعي فى نفس يوم تشكيلها ماذا سيقول الناس عنا فى اليوم الرابع؟ لو أننا نفذنا اقتراحك يا إحسان وأنت صحفي صناعتك القلم فماذا يبقى لنا لنعمله؟ وقد صرنا كمسؤولين عن الثورة حكامًا صناعتنا الحكم …."


عبد الناصر حجب المقالة فقط لأنها تهاجم ذلك الكيان الهلامي المسمى هيبة الدولة! ولم ينشرها- رغم موافقته على كل حرف فيها- إلا بعدما أخذوا رد عليها إشترك في كتابته جمال سالم.
وهنا يجب السؤال عن هذا المصطلح الخرافي المسمى (هيبة الدولة). هل سمعت عنه فى أي مجتمع آخر سوي المجتمعات التي تسجنها الدكتاتورية؟ هل مثلًا سمعت اليابان أو ألمانيا تتغنى يومًا بهيبة دولتها بالمفهوم الذي نتحدث نحن به عن هذه الهيبة؟
لماذا لا يوجد (هيبة الدولة) إلا فى مجتمعاتنا؟ وما هو تعريف هذه الهيبة؟ هل هيبة الدولة هي شكل الدولة ونظامها السياسي؟ اقتصادها؟ فائض الناتج القومي؟ متوسط دخل الفرد؟ فعالية القوانين والحقوق في مؤسساتها؟ أم أن هيبة الدولة يصنعها مسؤوليها؟ ولماذا لا توجد هيبة للدولة إلا على المواطنين البسطاء؟ يعني أنك تشعر بهذه الهيبة فقط فى أقسام البوليس وقطارات الموت والمستشفيات الحكومية والمدارس والجامعات الحكومية. أما فى الخارج وعلى صعيد المجتمع الدولي فلا هيبة لبلادك. مجرد كيان ديكتاتوري يكره الحريات ويتغذى على القروض.


ربما لن يقرأ هذه الكلمات العديد من الناس نظرًا لأن موقعنا هذا محجوب هو الآخر فى بعض البلدان. فى مصر وحدها هناك أكثر من 400 موقع محجوب ما بين إخباري وحقوقي. لم تعلن أي جهة حكومية أو شركة الاتصالات عن من هو المسؤول عن الحجب. قرأنا عن الحجب من خلال خبر فى وكالة الشرق الأوسط الذي نقل عن مصدر أمني رفيع المستوى أن سبب حجب هذه المواقع هو تضمنها لمحتوى يدعو للإرهاب ويبث الكذب والإشاعات وتهدد هيبة الدولة! بالطبع لا يهتم هذا المصدر الرفيع المستوى بأن الحجب مخالف للمادة 68 من الدستور وأنه لا يوجد أي نص من نصوص الدستور أو القانون المصري يبرر قانونية هذا الحجب.إذا اتفقنا جدلًا أن جميع هذه المواقع حقًا تبث الأخبار الكاذبة والإشاعات، لماذا لا ترد الحكومة على هذه الأكاذيب بالوثائق والدلائل والبراهين لإثبات هذا الكذب ثم تقوم باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة؟


أتذكر هنا جدال وقع بيني وبين صديق يمتهن الشعر والصحافة. هذا الشاعر فرح وهلل من أعماقه عندما قامت السلطات المصرية بمنع أحد الأفلام من العرض. بالتأكيد لا يوجد موهوب فى التاريخ يهلل للمنع. عدو المبدع الأول هو الرقابة والسكاكين التي توضع على رقبته لتأمُره بما يقول و مالا يقول.  قال إن الفيلم يبث أكاذيب ويسخر من هيبة الدولة وتاريخها. قلت له إن الفيلم يقابله فيلم يُرد به عليه والمقال الكاذب يُرد عليه بمقال صادق والشائعات والأكاذيب تطمسها الحقائق، الكلمة بكلمة والحرف بحرف. الديكتاتوريات الكاذبة فقط هى من تطالب بالمنع و القطع والقص والحجب والتزييف.

لماذا أحضر ابراهام لينكولن المعارضة إلى غرفة مكتبه؟




(1)
قبل تولي السيسي الرئاسة، أو بالتحديد عندما خلع بدلته العسكرية وأخذ يُروّج لأفكاره وبرنامجه الانتخابي المتمثل فى " أنا أعرف مشاكل مصر كويس و معايا الحل". جلس الرجل فى حوار دعائي مع إبراهيم عيسى الذي أخذ يطرح  الأسئلة بكل أدب بعد أن نهره الرئيس قائلًا: " لن أسمح لك أن تقول عسكر. لن أسمح لك". سأله إبراهيم فى خشوع:
-      ماذا لو حدث اختلاف مع الشعب؟
-      سوف أتبع مبدأ يا تقنعني يا أقنعك.
طبعًا كانت هذه دعابة انتخابية.
(2)
فى 3 يوليو 2014- منظمة العفو الدولية: بلغ عدد المعتقلين 40 ألف معتقل.
بين أغسطس 2015- أغسطس 2016، المفوضية المصرية للحقوق والحريات: اختفاء 912 شخص قسرًا. 52 منهم لم يظهروا حتى وقت أن أصدرت المفوضية تقريرها
(3)
إن من يأتي للإصلاح حقًا لن يخشى المعارضة. لأن هذا الُمصلح أتى إلى هذه النقطة بهدف يؤمن به وهو تقدم أمته. المصلح يسمع إلى معارضيه، والمعارض الوطني أحب وأفضل  عند المصلح الحقيقي من أذرع الطبل التي تهلل لكل شيء حتى الغرق.
(4)
قرر إبراهام لينكولن خوض الانتخابات الأمريكية عام 1860 عن الحزب الجمهوري. كانت الانتخابات الأولية للحزب شرسة عنيفة بين لينكولن وثلاثة من ألدّ أعدائه وهم سالمون تشيس، وليام هنري ستيوارت، و ايدوان بيتيس. كان لينكولن أفقرهم مالًا و أقلهم حظًا فى التعليم. علّم نفسه بشراء الكتب وسماع الخطب والحكايات مِن مَن هم أكبر منهم سنًا. كان يستخلص من كل حكاية عبرة وموعظة ويقوم بتطبيقها فى حياته. كتب لأحد أصدقائه قائلًا: "بالتأكيد أنا لست اختيارهم الأول وحتى الآن لم يقدم أحد اعتراض مسبق.."
بعد أن نجح لينكولن وفاز برئاسة الولايات المتحدة إتصل بالمنافسين الثلاثة وعرض عليهم العمل معه فى حكومته. قال لهم:"...عندما تراني أقوم بعمل أي شيء من أجل بلادنا لا ينبغي القيام به، يجب أن تقول لي وتشرح لي لماذا؟" طبعًا هذا فى الأعراف السياسية جنون. من الذي يأتي بخصومه للعمل معه؟ هؤلاء ليسوا أي خصوم،بل كان يكره بعضهم البعض. كان مؤمن بالتعاون فى الحكومة وبالرغم من أنه القائد لم يقل أنه يعرف كل شيء بالعكس كان يطلب المشورة عندما يستعصي عليه الأمر. كان يعرف أن هذه المشورة لتقوية أفكاره. كان يأخذ رأيهم فى خطاباته ويصغي إلى النقد الذي يقدمونه. كان مؤمن بأن أي فكرة لابد من مراجعتها أكثر من مرة وإعادة التدقيق فيها. لينكولن أحضر المعارضة إلى غرفة مكتبه ولم ينتظر أن يسمع ما يمليه عليه المستشارون لأنه كان يعلم علم اليقين أنه يحتاج إلى صوت آخر مختلف يشرح له غلطاته فى هذا الوقت الصعب الذي كانت تمر به البلاد وهو الحرب الأهلية.
(5)
نائب فى البرلمان المصري يقترح إلغاء جميع الأحزاب ودمجها فى حزب واحد قوي هدفه مساندة الرئيس والوقوف خلفه فى هذه المرحلة الحرجة التي لا يجب أن يكون فيها صوتًا آخر.
(6)
ماركيز: " كلما زادت سلطتك، كلما ازدادت الصعوبة فى معرفة من يكذب عليك و من يقول لك الحقيقة. عندما تصل إلى السلطة المطلقة، تفقد أي اتصال بالواقع، و ذلك أسوأ أنواع العزلة. الشخص القوي جدًا، الديكتاتور، هو شخص محاط بمصالح وأناس غايتهم هي عزلُه عن الواقع، تتعاون كل العناصر لعزله"
(7)
مانشيت فى جريدة المصري اليوم:
" التربية والتعليم : هذا العام سيتضاعف عدد الطلاب بالفصل نتيجة توقف بناء المدارس منذ أربع سنوات للأزمات المالية الذي تعانيه الوزارة."
مانشيت فى جريدة اليوم السابع:
"ضمن جهود الداخلية لتطوير منظومة السجون، وزارة الداخلية تنتهي من بناء السجن رقم 26 المصمم وفق النظم والمعايير الدولية."
مانشيت جريدة الشروق:
"مليار جنيه بدلات ومكافآت للقضاة خلال شهر الصيف."
(8)
هاشتاج"هنختار السيسي" يتصدر تويتر لمطالبة الرئيس بالترشح لفترة رئاسية أخرى:
" الفترة الأولى كانت لإنقاذ البلاد، والفترة القادمة للنهضة و حصاد الإنجازات."

أكاديمية الوهم لتأهيل وتدريب الشباب





(1)
في كتابه العظيم-التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور- يعلمنا الدكتور مصطفى حجازي أن الحكومات الديكتاتورية فى هذه المجتمعات تقوم بإنشاء مشاريع وهمية يطلق عليها مشروعات قومية لإلهاء الشعوب وخلق حس وشعور وطني مزيف.
فى هذه المجتمعات، حتى وإن الغالبية العظمى فيها لا تجد قوت يومها إلا أنها تغار كل الغيرة على مشاعر وطنية فارغة. مشروع قناة السويس الجديدة مثال على هذه المشاريع الوهمية حتى أن الرئيس اعترف بأن الهدف من المشروع كان رفع الروح المعنوية للشعب! أربعة مليارات دولار أو يزيد ضاعت فى مشروع لم يعد على المواطن البسيط بأي فائدة تذكر. تجد المواطن البسيط آمن بهذا التحدي العملاق وراح يدفع من مدخراته القليلة لشراء شهادات استثمار لا قيمة لها. كل هذا بدافع الحس الوطني والتحدي وقهر العدو الوهمي الذي خلقه النظام. كل شيء لابد أن يتم طلاءه بلون وطني حتى أن معظم إعلانات المنتجات مثل الحديد والأسمنت والجبن أصبحت تذاع بصحبة أغاني وطنية و كلمات من نوعية (التحدي) (العبور) (المستقبل) للإيحاء بقومية المنتجات وأنه من الواجب الوطني شراءها!
يشير تقرير البنك الدولي لسنة ٢٠١٥ إلي هذه المشاريع شارحًا: " أن المشاريع التي تقوم بها الحكومة لا توفر فرص عمل حقيقية وأن هذه المشاريع تصب فى مصالح النخبة القريبة من السلطة. إذن المشاريع تخدم السلطة وأصدقائها فقط وعلى الشعب الصبر والصمود والتحدي والتبرع حتى يتم العبور!


(٢)
لقد سمعنا مؤخرًا عن مشروع إنشاء الأكاديمية الوطنية لتأهيل وتدريب الشباب؟ وكيف لنا ألا نسمع بهذا المشروع وجميع الصحف خرجت علينا بنفس المانشيت عن هذا المشروع، وفى المساء جميع برامج التوك شو تتحدث أيضًا عن ميلاد هذا المشروع الضخم! وطبعًا كما نلاحظ لابد للاسم أن يحمل كلمة (وطنية) حتى يعلم الجميع أنه مشروع وطني قومي إلخ. سوف يتم إنشاء هذه الأكاديمية بمدينة ٦ أكتوبر وتتكون من ٦ طوابق على مساحة ١٠ آلاف متر مربع. أصدر الرئيس قرار جمهوري بهذا، وأوضح أن الهدف من الأكاديمية هو تحقيق متطلبات التنمية البشرية للكوادر الشبابية بكافة قطاعات الدولة ويتم التعاون مع عدد من الهيئات والمعاهد والمؤسسات الدولية!
هل فهمت أي شئ مما سبق؟ ما هي قيمة إنشاء أكاديمية كهذه وتبذير هذه الأراضي والأموال؟ ماهي الفائدة التي ستعود على المواطن المطحون؟ ألم يسمع الرئيس -قبل اصدار هذا القرار الجمهوري- بمركز إعداد القادة لصاحبة حسني مبارك وأولاده؟ ماذا جنينا من مركز إعداد القادة الذي يقوم الآن بإعطاء دورات تدريبية فاشلة لا تنمي مهارة واحدة. ثم ما هي هذه الهيئات والمعاهد والمؤسسات الدولية التي سيتم التعاون معها؟ كل شئ غامض وهمي خالي من الارقام والحساب والمحاسبة والثواب والعقاب.

قالوا إن إنشاء هذه الأكاديمية-التي لا قيمة لها- جاء بناء على توصيات مؤتمر الشباب-الذي لاقيمة له. لا توجد دولة فى العالم تقوم بعقد مؤتمر خاص بهموم الشباب فى منتجع فندقي يحضره رجال متوسط أعمارهم فوق السبعين عام وقليل من الشباب الديكور لزوم جمال الصور واللقاءات التلفزيونية. كل هذا الهراء لا علاقة له بالشباب الحقيقي. لماذا لا يقام مؤتمر الشباب القادم فى بولاق الدكرور أو جزيرة الوراق-قبل بيعها- أو غيط العنب أو في أي قرية من قرى الصعيد؟ إذا كان الهدف من هذه الأكاديمية هو هدف تعليمي أكاديمي فما هي فائدة المعاهد والجامعات فى الدولة؟ لماذا لا يتم إنفاق هذه الأموال على تطوير الجامعات والمناهج التعليمية حتى يكتسب الطالب مهارات حقيقية تجعل له قيمة فى سوق العمل العالمي؟ ثم من هم الخبراء والعلماء الذين أشاروا على الرئيس بجدوى هذه الأكاديمية؟ السؤال الأصح، هل يستشير الرئيس أي أحد فى كل هذه المشاريع الضبابية؟ أم أنه مؤمن بأنه وحده فقط من يعلم كل شيء ونحن أغبياء. لماذا يعامل الشعب بمبدأ أنت لا تعرف أي شيء. انا اعرف مصلحتك أكثر منك! متي يتم مواجهة المشاكل الحقيقية وحلها دون رقص واحتفالات ومؤتمرات؟ لماذا لا يجيد هذا الرجل سوي بناء السجون؟

الحب فى دار الإفتاء



بعد أن اعتلى الخطيب المنبر وصلى على النبي وحمد الله وشكره، بدأ في التقديم للخطبة التي كان موضوعها «نبي الله يوسف». وقبل أن يبدأ الخطبة، وقف صديقي أشرف في منتصف المسجد وقاطع الإمام بكل أدب قائلًا:

«يا مولانا، لقد حفظنا قَصَص الأنبياء عن ظهر قلب. نعرف جميع الحِكَم في قَصَص سيدنا موسى وعيسى وهارون. نعرف إخوة يوسف، وحوت يونس، وامرأة لوط، وهارون وقارون، وعزيز مصر. نريد منك أن تحدثنا عما نحن فيه الآن. حدثنا عن الحياة خارج جدران هذا المسجد. كيف نحياها؟ حدثنا عن العدل والظلم والقتل العصري».

بالطبع لم يلاقِ اعتراض أشرف استحسان الإمام ولا القابعين في الصفوف الأولى وبدأت همهمة واستهجان انتهت بأن أشرف قليل الأدب وأن ما فعله بدعة ولابد أن يطرد ولن تقبل منه صلاة بعد اليوم.

تذكرت موقف أشرف هذا وأنا أتابع بعض حسابات دار الإفتاء المصرية على السوشيال ميديا. كل بضعة أيام يأتي شيخ موقر في فيديو لكي يجيب على تساؤلات المواطنين التي ظننتها مهمة. شاهدت فيديو عن طلاء الأظفار (مانيكير) والوضوء وعن الحب الشرعي وقرأت فتاوى عن حلاقة الذقن وشعر العانة. وكما ترى كلها مشاكل مصيرية تقف بين المجتمع ونهضته والعبد وقوة إيمانه!

نفس دار الإفتاء المصرية هاجت وماجت عندما أعلن الرئيس التونسي ما أعلنه بخصوص المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث. تخلت دار الإفتاء المصرية عن أهمية أحكام طلاء الأظفار وشعر الذقن واهتمت بما قاله السبسي وكأن تونس ليس بها دار إفتاء أو أنهم تعلموا الإسلام منذ يومين.

لماذا انشغلت دار الإفتاء المصرية بالمانيكير وشعر العانة داخليًا واهتمت بالشرع خارجيًا؟ لماذا لا يهتم مفتي الجمهورية بأحكام الإعدام التي يُصدق عليها يوميًا في قضايا ظالمة وأدلّة واهنة مُلفقة؟ هل شعر العانة أهم عند الله من القتل خارج نطاق القانون والاختفاء القسري والتعذيب والأحكام المزورة؟ أم أن دار الإفتاء تمسك العصا من المنتصف؟ تفتي فى أمور الدين الحيوية عندما تكون خارج الحدود فقط. أمّا الأمور الداخلية التي تحدث على بعد خطوات قليلة من دار الإفتاء، فهي لا تعنينا ولا يجب التطرق إليها؟ بالتأكيد لقد قرأ كل شيوخ «المانيكير» ابن تيمية وقرأوا رأيه عندما قال إن أكثر ما يفسد الدنيا نصف متكلم، ونصف متفقه، ونصف طبيب، ونصف عالم. يعني لا تجوز أن تكون مُتفقهًا فقط في الشعر وطلاء الأظفار وتترك عظائم الأمور!

هل نسي أم تناسى مشايخ دار الإفتاء دعوات المسؤولين للشعب بالتحلي بالصبر والتحمل حتى لو وصل به الحال لأكل أوراق الشجر كما صرح أحد الوزراء؟ هل يأكل أي من هؤلاء المسؤولين ورق الشجر؟ هل يركب أي منهم المواصلات العامة؟ هل يتعالج أي منهم في مستشفيات البلد الحكومية؟ ألم يقل الشيخ محمد الغزالي إن «كل دعوة تُحبب الفقر إلى الناس أو ترضيهم بالدون من المعيشة أو تقنعهم بالهون في الحياة أو تصبرهم على قبول البخس والرضا بالدنية فهي دعوة فاجرة يُراد بها التمكين للظلم الاجتماعي وإرهاق الجماهير الكادحة في خدمة فرد أو أفراد وهي قبل ذلك كله كذب على الإسلام وافتراء على الله»؟

لماذا يتجاهل هؤلاء المشايخ المشاكل الحقيقية؟ لماذا لا يقوم أي منهم بتشجيع الناس على الوقوف أمام الظلم؟ لماذا لا يجيب هؤلاء عن دعوة «أشرف» عندما سأل كيف يجب علينا أن نعيش؟ أو السؤال الأصح: كيف لنا أن نعيش أحرارًا؟.

المُثقف المقهور


(1)
يسخر بعض المثقفين العرب عندما يتم سؤالهم عن دور المثقف في المجتمع وينكرون جديّة وجوب أي دور للمثقف في مجتمعه. عندما نسمع أي مثقف من هؤلاء «الساخرين» «الكوول» نتذكر ما علمنا إياه الدكتور مصطفى حجازي بأن السخرية في المجتمعات المتخلفة هي أداة من أدوات المقاومة لدى الإنسان المقهور. أي أن المثقف «الكوول» ربما هو في النهاية مثقف مقهور!
(2)
عندما قال سارتر إن وظيفة المثقف الأولى هي إزعاج السلطات، لم يقصد هنا المثقف «الكوول» المقهور أو المثقف الذي تحول إلى مجرد عرّاب للسلطة يصلي بحمدها ويسبح بحسناتها الكاذبة. وأيضًا لم يقصد سارتر هنا مثقف «فوكنر» الذي يكتب أبحاثًا وتقارير ومحاضرات ويجعلها متاحة للشعوب عند الحاجة إليها. فمن يقصد سارتر بهذا المثقف الذي وضع على كاهله وظيفة إزعاج السلطة! ربما قصد لاعب كرة وكاتبًا ورجل دين وممثلًا أو راقصة.
(3)
على بعد مائة متر من مكان عملي في نيويورك، يوجد أحد فنادق ترامب وأماكن إقامته. كل مساء توجد ضده مظاهرة وليس هذا بالغريب، الغريب هو كمية المشاهير التي تحضر المظاهرات كل ليلة من ممثلين ومذيعين وعارضات أزياء فاتنات وصحفيين ورياضيين. كل هؤلاء يشعرون بواجب من نوع ما عندما يلبون دعوة التظاهر التي يطلقها المخرج مايكل مور بين الحين والآخر. بدأنا إذن من الاقتراب من مثقفي سارتر مع الفارق الشاسع بين المجتمع الذي يتظاهر فيه مور ورفاقه وبين المجتمع الذي لا ينطق فيه المثقف الكوول المقهور.
(4)
ف.س. ينيبول قال إن ماركيز عديم الشرف وصديق الطغاة! والسبب في ذلك هو صداقة ماركيز لفيدال كاسترو أوائل الثورة الكوبية. دافع بعض الناس عن ماركيز وقالوا إنه صديق لكاسترو ولكنه لا يؤمن بنظامه. وكان من ضمن هؤلاء المدافعين سلمان رشدي الذي لم يسلم من لسان ينيبورل عندما وصفه – أي سلمان رشدي – بالاستمناء الثقافي! لم يهتم ينيبول بمكانة ماركيز. لم ينافقه. لم يقل إنه ابن مهنتي، لم يظهر معه في برامج ماسخة يعد فقراتها رجال السُلطة.
(5)
لقد تم كتابة العديد من الدراسات والكتب العظيمة عن علاقة المثقفة والفنان بالسلطة في البلاد العربية. لكن ليس كل الناس قُرّاء أكاديميين. حضور الحدث بنفسك وضرب الأمثلة والمشاهدة من أفضل وسائل التعلم. لن تحتاج إلى قراءة بحث حتى تعرف ثورة يناير مثلًا كانت كاشفًا كبيرًا لأنواع المثقفين. لن تحتاج إلى سماع خطبة جافة ومقارنات وأرقام لتتأكد بأن مذبحة رابعة كانت هي الشعرة الفاصلة بين الإنسانية والهمجية. الأحداث التي عاصرناها في السنوات الست الماضية شرحت لنا معاني المثقف المقهور والمفتي المطاوع والبرلماني المهاود. أعرف أصدقاء توقفوا عن سماع محمد منير مثلًا وذلك لخيبة أملهم فيه. الملك، الذي قضى حياته يغني للعدل والحرية، عندما قامت ثورة يناير تمخض ليلد أغنية تافهة يعاتب فيها البلاد بدلًا من أن يسمي القتلة بأسمائهم. عمار الشريعي هو الآخر أخذ يبرر تلحين أوبريت «اخترناه» الشهير بأنه كان أمرًا مباشرًا من رئاسة الجمهورية ولم يستطع رفضه!
ولكن هذا هو مربط الفرس. المثقف يجب أن يرفض. يجب أن يستخدم أدوات النفي والاستفهام والتعجب. الرفض مطلوب بل واجب في هذه الأيام التي تجمع فيها الديكتاتوريات بين كل أنواع السلطة من قضاء وإعلام و شرطة وجيش. لا يوجد أمل إلا في القلة القليلة من مثقفي سارتر الذين ما زالوا قادرين على الرفض. فإن لم تستطع أن تكون من هؤلاء المشاغبين الذين ينوبون عن الشريحة المنسيّة في المجتمعات الديكتاتورية، فلا تكن من المثقفين الكوول المقهورين! بعد هزيمة 1967 بأيام، وفي اجتماع للجنة القصة بالمجلس الأعلى للآداب، كان هناك في هذا الاجتماع حوالي خمسين من أبرز الكتُاب والأدباء. قالت لطيفة الزيات:
«كل واحد منا مسؤول عن هذه الهزيمة. لو قلنا «لا» للخطأ كلما وقع خطأ ما حلت الهزيمة».
توترت القاعة بالقبول والرفض لكلام لطيفة الزيات. حتى احتج الدكتور حسين فوزي بأن أحدًا لم يملك أن يقول «لا» وأن السجن انتظر من قالها. تُصر لطيفة الزيات على تحمل مسؤولية الهزيمة وتواصل كلامها:
«لو قال كل المثقفين «لا» لما استطاعوا أن يسجنونا جميعًا».
ثم تسود لحظة صمت حرجة، بعدها يسأل أحدهم: ماذا بعد؟
فيبدأ توفيق الحكيم في شرح صلح الحديبية وفوائده!
ثم… ثم… ثم… نصل إلى الكابوس الذي نعيشه الآن

القنصل عند غروب الشمس

في رواية (القنصل عند غروب الشمس)، كتب جيرالد هنري فى أحد فصولها عندما قدّم الحاكم العام خبرته للشباب الذي سيتولى المنصب:
"حينما تعوزك كل الوسائل ولا يقى أمامك مخرج، اشعل حريقًا كبيرًا أو انشر وباء أو افتعل مذبحة أو أي حدث مروع يُذهلهم ويشل إرادتهم.."

أستاذتي سعاد

نُشرت فى ثقافة True 
(1)
قالت لي: العُشاق يكرهون الصور. الصور عند الفراق هى دليل على التعاسة وفشل التجارب حتى أننا نضحك كذبًا فى جميع الصور لرسم سعادة غير موجودة.
ثم رحلت..
نظرت حولي وتأكدت أني أحب الصور رغم كل ما قيل على أن الرواة يكرهون الصور تمجيدًا  لصدق الكلمات. هناك صور عديدة لا تفارقني.
(2)
 وقعت عينى على صورة لي مع فريق الإذاعة المدرسية فى المرحلة الإعدادية التقطت يوم عيد ميلادي. لا أتذكر اسماء كل الأعضاء و لا أنسى الكثير. التقط الصورة الأستاذ يحيي مدرسة التربية الزراعية. كان نصف أعمى وله استوديو تصوير يربح منه بعد انتهاء اليوم الدراسي. كنت زعيمًا لفريق الإذاعة المدرسية، أكتب المحتوى ويقرأه أسامة منصور بصوته ذو البحة الإذاعية الجميلة. عندما قرروا تشكيل الإذاعة المدرسية قلت لهم أني أخشى الميكروفون ولكنى أحب الورق والأقلام. قالوا أرنا ماذا تستطيع أن تكتب. كتبت مقدمة عن عظمة ثورة يوليو أشعلت الحماسة فى قلوب الأساتذة الذين كان معظمهم من الأرياف يعشقون كل ما هو ناصري و يملكون الأرض ويحرثونها بفضل قانون التأميم. كنت أغازل وطنيتهم الهشة بكلمات عن العدل والحرية والمساواة وأشياء أخرى يحبون سماعها ولم يجربوها فى حياتهم. أسهر كل مساء لإعداد ما سيقرأه أسامة فى الصباح. إلا هذه الليلة. لم أقم بإعداد أي شئ. فتحت كتاب العلوم الذي سلمته لنا المدرسة و اخترت صفحة بعيدة فى مؤخرة الكتاب ونقلت منها مقدمة عن تطوير التكنولوجيا وكيف أن العلم سيستطيع فى المستقبل القريب أن يجعل من عصير البرتقال وقودًا للسيارات. غدًا هو يوم ميلادي وأريد أن تضحك المدرسة كلها عندما يقرأ أسامة هذه المقدمة.

(3)
تتوسط الصورة الأستاذة سعاد مُدرسة اللغة العربية والمسؤولة عن الإذاعة المدرسية. كانت علاقتها بكافة الأساتذة الذكور علاقة سيئة لأنها كانت من أسرة اقطاعية لازالوا يملكون الأرض والألقاب الحديثة. وكانت علاقتها بالسيدات على نفس الدرجة من السوء لأنها كانت على حد قولهم متحررة مثقفة تعشق القراءة. الأستاذة سعاد كانت كجُملة عربية سليمة كاملة التشكيل. سمراء ذلك السمار الذي يدل على علاقة دائمة بالشمس والبحر. أطلقت شعرها الأسود اللامع حتى وصلت أطرافه إلى مؤخرتها التي نحتها أزميل فنان يعشق النساء. تكتحل بكحل أسود أضاف إلى بحور عيونها الواسعة اتساعا.
لا استطيع نسيان الأستاذة سعاد ما دمت حيا. فى هذا اليوم لم أخبر أحدا فى المدرسة أنه عيد ميلادي. فقط أشتاق إلى العودة إلى المنزل لأرى ما اشتراه أبي لي من أقلام. دخلت الأستاذة سعاد إلى حصة اللغة العربية كعادتها تظلظها سُحب من البهجة وتغسلها عطور من أزهار الجنة. بلا أي مقدمات تحدثت الأستاذة سعاد عن أعياد الميلاد! و سألتنا نحن-المراهقون الذين تعلموا أسماء أعضائهم الذكرية منذ لحظات- عن الحكمة والفلسفة المؤدية إلى الاحتفال بأعياد الميلاد! طبعًا كان سؤال لا ينتظر الإجابة لأنها واصلت كلامها واستنكارها لأولئك الذين يحتفلون بأعياد ميلادهم. قالت عيد ميلادك يعنى مرور سنة من حياتك وأنك أقرب إلى الموت خطوة! وهكذا مع كل عيد ميلاد تدنو أكثر من القبر.
عُدت إلى المنزل غير مشتاق إلى الأقلام ولا أفكر إلا فى هذا القبر الذي اقترب مني أو اقتربت أنا منه. لم أرد على تهنئة أبي بعيد ميلادي. كل ما أفكر فيه هو كيفية التحايل على هذا القبر الذي يلاحقني.
(4)
كبرت وهاجرت وعملت وحملت الصورة معي وكلمات الأستاذة سعاد لا تفارقني. فى الجامعة فى نيويورك كان كل قسم يحتفل بعيد ميلاد طُلّابه. هناك فريق من الطلبة يقوم بتنظيم الحفلات كل شهر علي حسب تواريخ الميلاد. يقوم هذا الفريق بجمع التواريخ من كل الطلبة الجدد. تهرّبت من إعطائهم تاريخ ميلادي وتم استدعائي من رئيسة القسم لسؤالي عن سبب رفضي. قالت نحن نحترم خصوصية الطلاب وأنها رفضت إعطائهم تاريخ ميلادي دون اذني. قصصت على الدكتورة أبيجال حكايتي مع أعياد الميلاد وفلسفة الأستاذة سعاد. ضحكت الدكتورة أبيجال كطفل تعلم الضحك منذ لحظات. وقالت يالها من غبية هذه ال سعاد. إنها فلسفة سوداوية خاطئة بكل تأكيد. لماذا لا ننظر إلى عيد الميلاد على أنه احتفال بعام سعيد مضي وأننا فى انتظار المزيد من السعادة؟
(5)
بحثت عن الأستاذة سعاد بعد نشر مجموعتي القصصية الأولى. سألت عنها فى المدرسة قالوا أنها تزوجت وتحجبّت وأقلعت عن التدريس! بحثت أكثر حتى عثرت على صديق له صديق أخر زوجته هي بنت خالة الأستاذة سعاد. أعطيتها نسخة من الكتاب لتوصيلها للأستاذة مع اهداء:
إلى من علمتني أهمية الهمزة في اللغة العربية و عدم أهمية أعياد الميلاد فى الحياة.. أستاذتي سعاد.

لو قال المثقفين"لا" لما استطاعوا أن يسجنونا جميعًا

قال جان بول سارتر:
  • إن مهمة المثقف الأولى هي إزعاج السلطات
**
فى إجتماع للجنة القصة بالمجلس الأعلى للآداب ، كان هناك فى هذا الاجتماع حوالي خمسين من أبرز الكتُاب بعد هزيمة 1967 بأيام. قالت لطيفة الزيات:
  • كل واحد منا مسؤول عن هذه الهزيمة. لو قلنا "لا" للخطأ كلما وقع خطأ ما حلت الهزيمة.
توترت القاعة بالقبول والرفض لكلام لطيفة الزيات. حتى احتج الدكتور حسين فوزي بأن أحدًا لم يملك أن يقول "لا" و أن السجن انتظر من قالها. تُصر لطيفة الزيات على تحمل مسؤولية الهزيمة و تواصل كلامها:
  • لو قال كل المثقفين "لا" لما استطاعوا أن يسجنونا جميعًا.
ثم تسود لحظة صمت حرجة … بعدها يسأل أحدهم: ماذا بعد
فيبدأ توفيق الحكيم فى شرح صلح الحديبية!
ثم…
ثم…
ثم…
...نصل إلى الكابوس الذي نعيشه الآن.

جان ماري غوستاف لو كليزيو-أن تمتلك شيئًا هو شئ مخجل

فى حوار لـ جان لويس مع لوكليزيو، هذه مقتطفات:
لوكليزيو قال أن تملك شئ فهو شئ مخجل. المجتمعات الأمريكوهندية لا تجعل من التملك مبدأ أساسي. فالمجتمعات الأمريكوهندية تعتبر مثلًا مسألة تملك الأرض بمثابة بدعة أو تصرفًا غير معقول. فهذه المجتمعات التي مازالت على قيد الوجود تعتبر دائمًا الأرض هي لكل الناس و هي موجودة لجلب الخيرات للكل ليستفيد منها كل فرد وليس لأحد حق القول إن الأرض تنتمي إليه. فهى ممنوحة إليه مثل الحياة ومثل جميع العناصر كالهواء مثلاً.

هناك جملة قالها قائد هندي لحظة لقائه بالقوات الأمريكية. أنتقد الأمريكان-فى منتصف القرن التاسع عشر- بخصوص سلوكهم مع الطبيعة. قال لهم ما مفاده: " رغبتنا نحن هي أن نترك لأبنائنا الأرض كما وجدناها لقد ورثنا بعض الأشياء، أو أورثوها لنا آباؤنا، و يجب أن نورّثها كما ورثناها".

كلمة هذا القائد الهندي تُعبّر عما أحبه فى " الأرض الخلاء" و فى المساحات الشاسعة. عندي شعور أن فى هذه الأرض شيئًا ما لا ينتمي لأحد، و ربما نستطيع أن نسلمه للأجيال القادمة. خصوصًا و أن الأطفال هم من يستفيد من المساحات الشاسعة. سيكون إرثًا جميلًا

أحد السعف الدموي - طنطا والإسكندرية

هناك رواية بأن الرجل الذي منع الإرهابي من دخول الكنيسة من البوابة الرئيسية عامل فى الكنيسة اسمه عم نسيم. تقول الرواية أن عم نسيم طلب من الإرهابي الدخول من خلال البوابة الإلكترونية. ذهب الإرهابي كما أمره عم نسيم وفجر نفسه.
ترى عندما استيقظ عم نسيم من نومه فى هذا الصباح المشؤوم وذهب إلى عمله كان يعرف انه سوف يتحدث إلى مجرم قاتل؟ عم نسيم تصدي لمصيبة عظمى عندما منع الإرهابي من الدخول. عدد الجثث سيكون أعظم و الدماء أكثر.

فى بعض الدول جثة واحدة كفيلة بتغير حكومة. نقطة دم من مواطن تكون هي الميقات التاريخي لهذه الدولة. فيصبح تاريخ الدولة ما قبل و بعد هذه النقطة. ولكن بالتأكيد هذا ليس الحال لدمائنا.  هل اعتقد عم نسيم أنه بطل عندما مات؟ بطل بالصدفة لم يقصد أن يكون بطل. كان فقط يقوم بتأدية عمله. عندما كان يجلس عم نسيم على الدكة الخشبية التي كان يجلس عليها لسنوات هل كان يفكر فى السعف؟ المسيح؟ المذبح؟ أسبوع الآلام؟ أم أنه قام بذلك ألف مرة ووصل لمرحلة الإيمان الذي يرسم وجهك بابتسامات الرضا؟ لن نعرف أي من هذا لأن عم نسيم كما تقول الرواية قد قتل.

لكن الذي نعرفه جيدًا هو أنه هناك شرير أقنع شاب بأن أقصر طريق للجنة هو الحزام الناسف. لماذا لم "يفكر" الشاب و يسأل نفسه إذا كان الحزام الناسف هو الطريق المؤدي إلى الجنة فلماذا يؤثرني أنا به ولا يقوم هو بتفجيره؟
السّر هنا يكمن فى كلمة "تفكير". تلك الكلمة المسحورة التي تصيب الديكتاتوريات وشيوخ السلاطين بالذعر والرعب المُبين. التفكير حرام.. السؤال .. البحث ..الإعتراض.. الإقناع كلها أبجديات كافرة من عمل الشيطان.

يحكى أنه فى عهد الرئيس الحالي-الذي أتى يمتطي موجات عاتية من التفويض لإنقاذ البلاد والعباد من التشدد الديني الذي كان يدعو له سابقه- قد سجن داعية شاب لأنه تجرأ واستخدم الكلمة المسحورة " التفكير". و يحكى أيضًا أن فى عهد نفس الرئيس قد أحال دكتورة جامعية إلى مجلس تأديب لأنها رقصت فالبلاد تحارب الإرهاب ولا تتحمل سعادة إمرأة رقصت فوق سطح منزلها!

الرئيس الحالي يدعو فى مزحة سخيفة إلى تطوير الخطاب الدينى برعاية البرلمان!

فى مكان قصيّ، لن يسمعه أحد، يصرخ شاب من أعماقه، لابد من تطوير التعليم:
- تنظيف المناهج
- تنظيف المنابر
- تنظيف العقول

سحب داكنة من النفاق المُجتمعي تخيم علي سماء بلادنا التعيسة، فلماذا نستعجب إذن عندما تمطر كراهية ودماء؟ المشكلة قائمة واضحة معرفة و لكن الأغلبية صامتة صمت الأهرامات. بداية حل المشكلة يبدأ بالإيمان فى وجودها. شجاع واحد يشير باللوم إلى السبب الحقيقي إلى ما نحن فيه من بلاء