لماذا لا يوجد مصطلح (هيبة الدولة) إلا فى مجتمعاتنا




نَاصَر إحسان عبد القدوس ثورة عبد الناصر 52 رغم تأميم روزاليوسف. وكتب العديد من المقالات المؤيدة للثورة. هاجم في أحد مقالاته رئيس الوزراء علي ماهر وطلب بإقالته نظرًا لعدم اهتمام ماهر بقانون الإصلاح الزراعي. مُنعت مقالة إحسان عبد القدوس الذي هرول إلى جمال عبد الناصر يشكو له الرقيب. قال له عبد الناصر أن الرقيب برئ وأنه هو-أي عبد الناصر- من منع المقال من النشر! وهنا احتار إحسان عبد القدوس لأن عبد الناصر قال له أنه يتفق فى كل حرف مكتوب فى المقال وأنه واثق فى اخلاص إحسان ووطنيته. ولكنه لا يستطيع أن يترك صحفي يهين رئيس الوزراء: 
"الثورة الآن تحكم يا احسان وحرصي على الثورة كنظام حاكم يحتم عليّ أن أمنع هذا المقال. أنني لا أريد أن أرسّخ فى أذهان الشعب أن هناك من يقترح على الثورة فتنفذ اقتراحه حتى لو كان هو عين الصواب. لا أريد أن يتصور الناس أن هناك وصاية على الثورة. تصور يا إحسان لو أن الثورة نشرت مقالك اليوم. ثم أقالت وزارة على ماهر غدًا وشكلت وزارة جديدة تصدر قانون الإصلاح الزراعي فى نفس يوم تشكيلها ماذا سيقول الناس عنا فى اليوم الرابع؟ لو أننا نفذنا اقتراحك يا إحسان وأنت صحفي صناعتك القلم فماذا يبقى لنا لنعمله؟ وقد صرنا كمسؤولين عن الثورة حكامًا صناعتنا الحكم …."


عبد الناصر حجب المقالة فقط لأنها تهاجم ذلك الكيان الهلامي المسمى هيبة الدولة! ولم ينشرها- رغم موافقته على كل حرف فيها- إلا بعدما أخذوا رد عليها إشترك في كتابته جمال سالم.
وهنا يجب السؤال عن هذا المصطلح الخرافي المسمى (هيبة الدولة). هل سمعت عنه فى أي مجتمع آخر سوي المجتمعات التي تسجنها الدكتاتورية؟ هل مثلًا سمعت اليابان أو ألمانيا تتغنى يومًا بهيبة دولتها بالمفهوم الذي نتحدث نحن به عن هذه الهيبة؟
لماذا لا يوجد (هيبة الدولة) إلا فى مجتمعاتنا؟ وما هو تعريف هذه الهيبة؟ هل هيبة الدولة هي شكل الدولة ونظامها السياسي؟ اقتصادها؟ فائض الناتج القومي؟ متوسط دخل الفرد؟ فعالية القوانين والحقوق في مؤسساتها؟ أم أن هيبة الدولة يصنعها مسؤوليها؟ ولماذا لا توجد هيبة للدولة إلا على المواطنين البسطاء؟ يعني أنك تشعر بهذه الهيبة فقط فى أقسام البوليس وقطارات الموت والمستشفيات الحكومية والمدارس والجامعات الحكومية. أما فى الخارج وعلى صعيد المجتمع الدولي فلا هيبة لبلادك. مجرد كيان ديكتاتوري يكره الحريات ويتغذى على القروض.


ربما لن يقرأ هذه الكلمات العديد من الناس نظرًا لأن موقعنا هذا محجوب هو الآخر فى بعض البلدان. فى مصر وحدها هناك أكثر من 400 موقع محجوب ما بين إخباري وحقوقي. لم تعلن أي جهة حكومية أو شركة الاتصالات عن من هو المسؤول عن الحجب. قرأنا عن الحجب من خلال خبر فى وكالة الشرق الأوسط الذي نقل عن مصدر أمني رفيع المستوى أن سبب حجب هذه المواقع هو تضمنها لمحتوى يدعو للإرهاب ويبث الكذب والإشاعات وتهدد هيبة الدولة! بالطبع لا يهتم هذا المصدر الرفيع المستوى بأن الحجب مخالف للمادة 68 من الدستور وأنه لا يوجد أي نص من نصوص الدستور أو القانون المصري يبرر قانونية هذا الحجب.إذا اتفقنا جدلًا أن جميع هذه المواقع حقًا تبث الأخبار الكاذبة والإشاعات، لماذا لا ترد الحكومة على هذه الأكاذيب بالوثائق والدلائل والبراهين لإثبات هذا الكذب ثم تقوم باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة؟


أتذكر هنا جدال وقع بيني وبين صديق يمتهن الشعر والصحافة. هذا الشاعر فرح وهلل من أعماقه عندما قامت السلطات المصرية بمنع أحد الأفلام من العرض. بالتأكيد لا يوجد موهوب فى التاريخ يهلل للمنع. عدو المبدع الأول هو الرقابة والسكاكين التي توضع على رقبته لتأمُره بما يقول و مالا يقول.  قال إن الفيلم يبث أكاذيب ويسخر من هيبة الدولة وتاريخها. قلت له إن الفيلم يقابله فيلم يُرد به عليه والمقال الكاذب يُرد عليه بمقال صادق والشائعات والأكاذيب تطمسها الحقائق، الكلمة بكلمة والحرف بحرف. الديكتاتوريات الكاذبة فقط هى من تطالب بالمنع و القطع والقص والحجب والتزييف.

No comments: