نحن شعب صبور، قانع إلى ما يقرب أحيانا من الزهد خفيف الظل له موقف بالغ التحضر من الحياة والموت، وفي معاملة الغرباء والضعفاء متسامح سريع الصفح ولديه القدرة على الترتيب الصحيح للأولويات، وينفر من المبالغة في الاهتمام بالصغائر وتوافه الأمور، وهو أكثر تقديرا للخلق الكريم منه للقوة أو المال.
كل هذا صحيح، ولكن المصري أيضا قد يزيد صبره عن الحد المقبول، فيقبل أكثر مما يجوز قبوله، وهو مجامل إلى حد الإفراط وكثيرا ما يفضل السكوت على الجهر بالحق طلبا للسلامة أو كرها للعنف، وهو قليل الثقة بقدرته على تغيير الأمور وإصلاح ما فسد. يسرع إلى التسليم باستحالة الإصلاح وإلى الاعتقاد بأن الأمور ستظل على الأرجح على ماهي عليه مهما بذل من جهد، قانع أحيانا إلى درجة فقدان الهمة، متسامح أحيانا إلى درجة تجافي الشجاعة.
لابد أن هذا كله الحسن منه والقبيح، كان له أثر في كثير من الظواهر الاجتماعية فى مصر وفى تشكيل بعض ملامح التاريخ المصري. من هذه الظواهر والملامح مثلا رسوخ ظاهرة «الطبقية» في المجتمع المصري، وأقصد بها استعداد المصريين بدرجة تفوق ما يمكن أن يلاحظ فى غيرهم، لقبول انقسامهم إلى طبقات، وكأنه انقسام طبيعي وسنة من سنن الكون، ومنها أيضا موقف المصريين بصفة عامة من السلطة، أى سلطة، وفى أى ميدان من الميادين، سياسية كانت أو إدارية أو ثقافية. فصاحب السلطة في مصر مرهوب ومطاع، حتى ولو لم تتجاوز سلطته التوقيع على تجديد رخصة سيارة، يتودد إليه ويخطب وده ولو لمجرد تفادي شره. فإذا كان صاحب السلطة هو أيضا من المنتمين إلى الطبقات العليا من الباشوات والبكوات، تضاعفت الرهبة وزادت الجهود المبذولة للتودد إليه والتقرب منه، أو على الأقل قوى الاستعداد لغض البصر عن أخطائه والسكوت عن نقائصه.
No comments:
Post a Comment