وَاقِعِيَّة الْاشْرَار

دائما  أشجع محمود المليجى وعادل أدهم وزكى رستم. أكره جميع أفلام الخير التي تنتهي بانتصار البطل الذي يقهر الظلم و  الرصاص و الزلازل و البراكين و يفوز بأجمل بنت في الفيلم .المثالية فى الأفلام شئ مٌنفرّ . حتى المثالية فى الواقع امر يدعو الي الشفقة والسخرية احيانا. كرهت كتابات اسامه أنور عكاشة من نوعية ابو العلا البشري و الدكتور مفيد ابو الغار . لأنها  شخصيات خيالية مثل  كامليا شحاته وأبو رجل مسلوخه و عبير بتاعة كنائس إمبابه.  فجميعها شخصيات أسطورية حالها كحال  الرجل الذي  نصفه العلوي رجل و السفلي حصان  . وبمناسبة كلمة واقع و خيال
كان لى صديق اسمه أشرف يهتم بالواقع و يكره الخيال الأساطير. فى إحدي خُطب الجمعة، كان الشيخ يخطب عن قصة سيدنا يوسف، وكيف أن الدنيا غيّرت الإخوات وقتل بعضهم بعضاً. وفى نصف الخطبة ، اعترض أشرف الشيخ قائلا
يا سيدنا الشيخ، إحنا حافظين قصص سيدنا يوسف و  موسى و عيسى و هارون. ممكن تكلمنا عن اللى إحنا فيه دلوقت! هاج الجامع و علت همسات الاستنكار ولم يدخل اشرف بعدها مسجدا إلا لاستخدام دورة المياه
هو الواقع ، الذي يهرب منه  الجميع و يتفاداه  سوي بالخيال و الأحلام أو المخدرات  العجيبة الفائقة المفعول كما هو ظاهر  في حالتي  القذافي و عمرو مصطفي

!هُنَاكَ لَكِنَّ

تجد دائما كلمه "لكن" فى كل شئ. أشخاص، أشياء، مشاعر. وغالباً ما يأتى بعد كلمة "لكن" ينفى ما قبلها من فعل ويشكك فى حقيقته أو يضيع ما عليه من فرحة وتفاؤل
ودائما وأبدا تجد كلمة "لكن" تقف عقبة أمام تحقيق حلم ما
أحبها جدا ولكن........
هذا عريس مناسب ولكن.......
أود فى الفراق ولكن ............
لا أود البُعد عنك ولكن ...........
هذه سيارة رائعه ولكن ............
فماذا لو بدأنا الحوار بكل ما هو " لكن " 

مَّشْهَدِ مِنْ مَقْهىَ الْطَّيِّبِينَ


جلس المعلم عامر- صاحب الزوجات الأربعه- يدخن الشيشه فى مكانة المعهود خارج قهوة الطيبين التى لا يرتادها إلا أشرار الحاره وأشقيائها. وجد المعلم جاره الجديد حديث العهد بالزواج – الأستاذ صلاح يجرى مهرولا إلى جهة مقصوده لا يعلمها إلا هو! هب ّ الرجل من مقعده مخاطبا صلاح
خير يا صلاح؟ فى ايه؟ حصل إيه بعد الشر
حماتى يا معلم ..حماتى
مالها حماتك؟
تعيش إنت يا معلم
طيب ومالك بتجرى كده وكأن لدعتك عقربه.. ده أنت وقّعت قلبى يا شيخ
باقولك ماتت يا معلم ..حماتى ماتت
هى حماتك دى من بقيت أهلك يا صلاح؟ لا هى امك ولا خالتك. دى حيالله أم مراتك ويدوب انت لسه عارفها و كمان عشرتك معاها مكلمتش كام شهر
يعنى إيه يا معلم ؟
يعنى دى معرفه جديده. على كَـبِْر  والمعرفه اللى على كَـبْر عامله زى الكتابه على الرمل. يدوب شويه هوى بيطروها
يعنى إيه؟
يعنى إقعد إشرب شاى وإستهدى بالله. آيامك الحلوه لسه يدوب هتبدأ

أَحْلامْ صَاحِبِ الْجَــلالَهَ

كانت فرحته العظمى وفوزه الأكبر عندما يُلقى برأسه على مخدته كل مساء قبل الخلود للنوم. ينظر إلى جدران غرفته الوردية الألوان ويرسم على شفتيه إبتسامة بلهاء لا تدل على أى شئ غير السعاده والرضا. كان ذلك هو موعدة اليومى مع الأحلام. كانت تلك هى المتعة الوحيده فى حياة الأستاذ عطوان موظف قسم الحسابات فى تلك المؤسسه الكبيره . كان فى منتصف العمر قصير القامه لا يملك من الشعر الكثير. صاحب كرش مُستدير يدل على إهتمامة الشديد بكل ما لذّ وطاب. قام بتربية شنبه بشكل عجيب ليدارى قسمات وجهه الطفوليه. يدارى عينيه الحالمه بنظاره غليظه كشُباك سياره ميكروباص

لا احد يهتم بالاستاذ عطوان فى عمله، العديد من زملائه فى العمل لا يعرفون حتى إسمه ولكنهم يعرفون انه لم يتغيب يوما عن المؤسسه خلال العشرين سنه الماضيه. ويعرفون أيضا انه الشخص الوحيد بها الذى يعرف كل كبيره وصغيره عن قسم الحسابات. كل ذلك لم يشفع للاستاذ عطوان عندهم بل تمادى بعضهم فى تجاهله ولم يعرو له إهتماما .كانت حياته العمليه بالنهار مثل ملابسه رماديه كئيبه رتيبة  لا معنى ولا طعم لها. خاليه من الإثارة و الحياه

يترك الأستاذ عطوان رتابة وملل تلك الحياةعندما يدخل الى شقته المتواضعه أو كما يحب أن يناديها بالقصر الرحيب. يدخل الرجل فى شماخة الملوك وكبرياء السلاطين. تتراقص قطع الأثاث ترحيبا بوصوله. فهذا كُرسىّ ينحنى إحتراما وتبجيلاً لصاحب الجلاله عطوان. وهذه منضده تنظُر إليه بدلال إمرأه لعُوب وتعطى له إشارة مكنيه  بأن كل شئ مُباح. وتلك  السجاده المسحُوره التى تحملة بخفة ورشاقه فتاة عشرينيه وتنقله من غرفة المعيشه إلى غرفة نومه  . تلك الغُرفه التى ربما خلت من الأرواح الآدمية ولكنها تعجّ بأرواح الحالمين

 يدخل عطوان إلى غرفة نومه ويخلع ملابس الذُل الرماديه ويرميها جانبا  ويرتدى بجامته الفضفاضه المخططه بألوان الحياة المُزدهره.  يتسلق سريره وكانه السبيل الى  الدرجات العُلى. يخلع نظارته السميكه المُكعبه التى تغطى نصف وجهه و يلقى بظهره العريض على السرير بينما يضع يديه خلف رأسه كمخدة اضافيه. تنطلق قدماه واحده فوق الاخرى بكل إختيال وفخر. فهذه هى اللحظه المرجوّه. بماذا سيحلم الليله؟ يبتسم إبتسامته الصبيانيه مُجيبا  على نفسه: المجد للأحلام فهى لا تنتهى.
أول أمس حلم بأنه عربيداً سكيراً فى إحدى البارات الرخيصه شرب حتى الثماله ووجد نفسه فى قلب معركه حامية مدافعا عن عِفه فتاة الليل ذات النهدين البارزين التى تأخذ من هذا البار مستقراً لإستقطاب ذبائن الهوى والرذيله. وكان ينتاب عطوان  حالات من الضحك الهيستريى المصحوب بنظرات الجنون و الإستغراب عندما عرف ان بائعة الهوى إسمها عِفه! فرح عطوان فرحاً شديداً بهذا الحلم الذى جعل منه بلطجى يتشجار فى البارات من أجل عاهرة

ولعل هذا الحلم أثر على عقل عطوان الباطن فكان حلم الليله التاليه محاوله للتخلص من خمور الأمس وصدر عِفه الذى لا يفارق خياله رأى عطوان نفسه فى الحلم إماما للجامع الأكبر، يظهر على وجه الخشوع والورع . يرتدى ملابس بيضاء لا يوجد فيها دنث أو خطيئه كقلب طفل صغير. كان عطوان يؤم المصليين ويخطب فيهم ويأمرهم بالتقوى والعِفه! لم تكن تلك العِفه التى تمناها عطوان الذى إبتسم نفس الإبتسامه الصبيانيه البلهاء وقال لنفسه حلم اليوم سيكون مختلف ولا علاقة له بأى نوع من أنواع العِفه
 راحت عينى عطوان فى النوم ورأى حلمه الجديد ووجد نفسه فارس مغوار يتطاير شعره الذهبى وقميصه الابيض وهو يمتطى جواد اسود كليل المظلوم. فى يده سيف ذهبى ذو قبضه من الماس.  يجرى الجواد فى براح أخضر يتخلله سلسبيل مياة زرقاء. انه  الطريق الوحيد لقصر السلطان. لم يفكر  الفارس عطوان فى حُرّاس القصر وعتادهم فهو اليوم فى مهمة إنتحاريه . اليوم هو حفل زفاف الأميرة صاحبة العفه ووجب عليه  إنقاذها من تلك الزيجه التى لا ترغبها

سمع الحراس صّهيل الفرس ورأوا عطوان لا تأخذه شفقه أو رحمه في قتال . فقتل من قتل و جرح من جرح و دمر ما دمر . طلع الفارس إلي غرفه العروس الباكيه . نظر اليها نظره عبد مطيع و قال مولاتي صاحبه العفه والسموّ الملكي الرفيع . أنا خادمك و فارسك عطوان . وصلني مكتوبك و ها أنا ذا جئت ملبياً الرجاء مجيباً للغيث و  النداء . اسمحي لي أنا أخذك إلي أرض الأجلام ! هبّت الاميره من مقعدها لترمي نفسها الضعيفه في أحضان الفارس المنقذ . حمل عطوان الامبره حتي أعتلت الجواد خلفه و أحاطت خصر عطوان بذراعيها لينطلق الجواد في الفضاء الأخضر قاصدا أرض الأجلام
ودّ عطوان أن يلتهم شفتى الأميره و وهمّت به وهمّ بها لولا أن جرس المنبه قد أعلن إنتهاء الحلم والعوده الى الملابس الرماديه والحياة التى فى ظاهرها حركة وفى باطنها الموت والسكينه. لم يحزن عطوان على إنقطاع الحلم، فهو يعلم بأن الليله سيكون لقاء آخر أكثر لهيبا عن سابقيه. تبسم لنفسه فى المرآه وهو يضع النظاره السميكه وقال : يا أحلام .. مع أعظمك

مِـــــيراثْ

أربعة سنوات بالتمام والكمال . اليوم تمر ذكري رحيله الرابعة و كأنها عُمر فوق العُمر و دهر ثقيل الأحمال . و العجيب أني تذكرته بالأمس ، و كيف هذا بالعجيب  و أنا  لم أنساه  لحظة ! و لكن الأمس كان شيء خاص و كأنه كان مقدمة ليومي هذا  . أكلت ما كان يحبه دون قصد , استمعت لما كانت تحب أذنيه  بعفوية الحالمين , ضحكت لكلمة من كلماته و غضبت لغضبه ، و بكيت و ابكيت بعض من محبيه
اليوم تكثر الدعوات و تعلو الصلوات و تتقطع الدمعات و تنفطر قلوب  علي فراق عزيز قد  مات
هناك غضب ما . غضب علي الفراق أم علي من فارق ؟ ألف شكوي و شكوي ترغب في الهروب من صدر حرج يتصّعد إلي  السماء

هناك خوف و وحده ممنوعان  من الظهور . هناك من الإسرار ما لم يقدر علي كتمانها بحر كبير
اليوم انظر إلي الصندوق الأسود الذي يحمل مقتنياته . نعم هذا كل ما أقدر عليه . النظر إلي‬‫ هذا‬‫ الصندوق الذي أرغب في فتحه و المس ما به من ماضي و حاضر و مستقبل. ‬ولكني  أعود الصندوق أدراجه  حيث مكانه ألمُختار من سنوات مضت .لم اؤمن يوما بالأشياء و لكن ها أنا ذا أحيا بفضل بحفنة منها

ما أجمل ميراث الذكريات الذي يبعث في قلب المُحتضر قشعريره حياة
اللهم بلغه عنى السلام ودعوات الرحمه 

! بِنْت فَاطِمَه



رضي عٌمر بما قسم له من نصيب في الدنيا . و أمن بان  الدنيا رزق قد كُتب و قُدر و انه لا حول له ولا قوة بما كُتب له  غير الرضا . عاش و حيدا سعيدا في عالم خاص متحملا مسؤولية ثقيله علي أتم وجه و أحسن حال بعد وفاة والده. فهو  لم ينس عمه الأكبر يوم وفاة والده عندما أخذه من المعزيين جانبا و قال له" حياتك الآن ليست ملكك  و إنما هي ملك لأمك و أخوتك ! فاعمل من اليوم لهم ولا سواهم
 
اتخذ عمر هذه الكلمات قرآنا و انجيلا يحي حياته بعدد أحرفها و لا يحيد عن مواقعها من الإعراب مقدار ذره
كانت كلمات عمه سراطا يمشي عليه قدر المستطاع . فكانت فرحته هى فرحة غيرة وآلامه له وحده. لم يتعود على الشكوى أو الأحلام ولم يكن يوما أهل بها‫ ولم تكن هى حِلٌ له‫. آمن بالارقام و مفعولها السحرى فى الحياة. كان يحسب ويجمع ويطرح قبل أى خطوة أو حركه. كان مؤمن بأن كل شئ بيد الله، ولكن ثمة سخرية غريبة كانت تعترى خلاياه عندما يسمع أحداُ يقول له سيبها لله و ما تنعيش الهم ؟ أهو الكُفر أم قمة الإيمان؟ وكيف لأحد غيره بأن  يشعر عما بداخله؟ وكيف  القدرة لإنسان  أن يدّعى شعوره بأحاسيس إنسان آخر؟ ياله من نفاق بيّن وكذب عاهر

كانت تلك حياة عُمر بإختصار، إذا فرح أو مرض شعُر بالذنب؟ فكيف له أن يفرح وكلمات عمه الأكبر مازالت تملأ أذنيه وجوارحه.‫ وكيف له أن يمرض؟ والمرض هو رمز الوهن والضعف والشكوى! إكتشف فجأه بان ليس له صديق حميم كمعظم الناس ! ولم الحاجه إلى الصديق الحميم؟ و آلاء  الموت قد لاحت  أسرع مما رغب وطلب، وانه سوف يموت وحيدا فى ارض بعيده لا يعرفها أحد . أصبح عُمر كصخره على شاطئ بحر هائج.. تضربها الامواج فتنحت منها القليل مع كل ضربه.  إستطاع عُمر بكل براعة أن يدارى كل هذا البركان تحت ابتسامة راضية وقلب مسهُ شئ من الإستسلام

و في ظل كل هذا، ومن حيث العدم،  تأتي بنت فاطمة مُحطمة كل القواعد و المعادلات. ترفع المنصوب و تجر المرفوع و تدُك الأرض الثابتة تحت قدمي عُمر دكاً ، قائله :هيت لك! 
أنا مالم تعلمه فلم تكره
أنا برداً و سلاما فلم الحرور
أنا الطمآنينه فلم الخوف
قال لا أستطع ..قالت أنا الإستطاعه والإمكان
قال لا أملك .. قالت أنا الغنى والرزق الوسيع
قال لن تستطيعى معى صبراً .. قالت أنا أيوب و أحضان العطاريين
هكذا حركت بنت فاطمة المياة الراكده فى بحر عُمر وقدمت له حياة غريبه عليه لم يكن له بها عهد أو أى قدر من المعرفه والأُلفه. فقد الشاب ما تبقى له من نوم وإذداد الهم هما
إستسلم عُمر لبنت فاطمه كما إستسلم لأشياء أخرى لم يكن له فيها  بُد أو خيار. فهو يحمل من المسؤليات ما تنوء به العصبه أولو القوه وليس فى حاجه إلى روح آخرى تتعلق فى عنقه تطلب وتريد !ولكنها تعطى ولا تأخذ ، تُجيب ولا تسأل !
فرح عُمر بحياتة الجديده ولكنه كان دائما يذكر نفسه بأنها فرحة مؤقته منقوصه فلا يجب الإعتياد على ما لا تملك يمينه. بنت فاطمة     حالها كحال أشياء نادرة جميله لا تدوم ولا يبقى منها إلا ذكرى وخيال عابر لايمكن وصفه

بِنْتِ الْصَّيَّادِ

الفرق بين النفيث والرخيص هو تفاصيل الصنع ودقتها وكلما زادت التفاصيل وتعقدت، كلما زاد السعر والقيمه. وهو الحال فى العلاقات الإنسانيه، طالما هناك إهتمام بالتفاصيل، طالما‫ كانت‫ العلاقه عميقه وزادت قيمتها وجوهرها
 يُحكى أن أميراً شابا قد مسه شئ من الضُر ولا أحد يعلم ما أصابه من سوء. ولكنه بين عشية وضحاها عزف عن الكلام وشك البعض بأنه صار كفيفا مسحورا. يسرح فى الملكوت هائما. لايفارق غرفته المطله على حديقة القصر الواقع بين ضفتين لنهر صغير
يدخل الخدم للأمير  بالطعام ويخرجون به كحالته الأولى لم يمسسه أحد. لقد عزف الأمير الشاب عن الطعام أيضا. هكذا أصبحت حالة الامير، يقضى معظم يومه جالسا  فى شرفة غرفته متأملاً النهر وصائدى الأسماك وكأنه فى إننتظار أن تخرج  شباكهم بالجواب لسر سكوته وإمتناعه عن الحياة
ذاعت حالة الامير فى أوساط المدينه وأصبحت حديث أهلها لبضعة أيام . حزن الناس لحالته و ذكروه في صلاواتهم . كان الصيادين يختلسون النظرات إليه وهو جالس  فى شرفته متأملا حالما فى عالمه الخاص. حتى قبل الغروب بسويعات، يرحل الصيادون ويدخل الأمير إلى غرفته منتظرا أول شعاع للشمس الذهبيه حتى يعاود موقعه من شرفة غرفته ليرى الصيادين وما تخرج به شباكهم من خيرات
وفى يوم غابت عنه الشمس، هبّت رياح عاتيه جعلت من النهر الساكن محيط هائج. لم يخرج الصيادون للصيد هذا اليوم. وإتخذ الأمير منزله من الشرفة ينظر إلى حبّات الشتاء وهى تحضن النهر وترسم على سطح مياهه أشكالاُ خياليه
وفى الأفق البعيد، رأى الامير صيّاد عجوز يتسند على إبنته الشابه قادمه فى إتجاه النهر وعلى كتفيه يحمل شبكة الصيد
فكر الأمير مليّا عن سبب قدوم العجوز في هذا الوقت من النهار الذي غابت شمسه و غضبت رياحه و تحكمت في زمام الأمور  ؟ و لكنه سرعان ما و جد أجابته عندما نظر إلي ابنته الشابه ودقق فى تفاصيلها
فلو كان للجمال تعريفا لكانت هي ذاك ! كانت خمريه لا بيضاء و لا سوداء . كزمرده  مكنونه في لؤلؤه ماسيه تعطف علي الكون عندما تشفق و  تنظر اليه. يتدلي شعرها الأسود  و كأنه ليل هادئ متخذا  من خصرها مستقر و مقام . تمشي في عزة الفارس المنتصر و إستحياء البكر وكبرياء السلاطين  . عينينيها واسعتين كسعة السموات العٌلى
قفز الامير من مجلسه وتلاقت عينيه بعينى بنت الصياد عندما حاولت أن ترفع خصلة شعر لمست رمشيها!
لم يتحسس الأمير خطواته إلى وهو خارج القصر تحت الشتاء يعدوا نحو النهر والصياد و إبنته. هلل أهل القصر فرحا لرؤية أميرهم خارج غرفتهّ!
وقف الأمير مخاطبا العجوز الصيّاد وإبنته اللذان إنحنيا إحتراماً لحضرته: رفع الأمير وجه أميرة المُستقبل ونظر لأبيها وقال: لقد أتت شباكك بما لم يستطع عليه غيرك.. هاهى ذا، حل اللُغز وصوت الحق وحضارة الماضى وإشراقة المُستقبل ,إقبالة الحياة إن شاء العلىّ القدير

الْدُّنْيَا فِى عُيُوْن بَهْجَة الْفُؤَاد

بهجة الفؤاد كانت الفرحة الصغرى و آخر العنقود كما كانت تحب أن تناديها جدتها التى كانت تدللها قائله " آخر العنقود سُكر معقود". فاقت الأميره صاحبة الست سنوات نظيراتها فى كل شئ، وكم سبب ذلك أرقا لوالدتها
‫كانت بهجه كثيرة التأمل، واسعة الخيال كمسافر حالم فرّق الزمان والمكان بينه وبين مايريد. فُتنت بالبحر البنفسجي! فكانت ترى كل شئ جميل باللون البنفسجى. رأت بهجة الفؤاد الدنيا بمنظور مختلف عن من هم فى عمرها فلم تطلب يوما عروسه أو قطعه حلوي ! ولكنها كانت مولعه بالرسم! شغل ذلك بال والدتها كثيرا‫ نظراً لحداثة عمرها وقلة كلامها. كانت الصغيره تُعبر عما يدور بخيالها بالرسم. كانت تتأمل البحر من نافذة غرفتها المطله عليه لساعات طويله دون ملل أو ضجر. وكانت ترسم على وجهها إبتسامات بين الحين والآخر وكأن البحر يرسل لها بهمسات متقطعه عبر المواجات القادمه من أعماقه
بعد التأمل في البحر لأوقات غير قصيره تجري الصغيره للوحاتها و ألوانها المتناثره في جميع أرجاء الغرفة لترسم ما دار بينها وبين البحر من حوار كانت معظم ردودها في هذا الحواربسمات حالمه من قلب ينبت كورقة شجر ضعيفه. و عندما تسألها والدتها : ماذا رسمتي يا بهجه الفؤاد ؟ تنكر الصغيره فعل الرسم من الأساس و تداري لوحتها الصغيره خلف ظهرها القصير قائلة: لا شيء يا أمي
انتظرت الأم حتي نامت بهجة الفؤاد لتري ماذا رسمت الصغيرة في لوحاتها التي تعتني بهم و تأخذهم معها للفراش كل مساء. توقعت الأم ان تكون معظم الرسومات للبحر و الأمواج نظرا للعلاقه الخاصة بينهما و بين مهجه الفؤاد . و لكن الأم فوجئت بعدم و جود رسمه واحده للبحر و أمواجه وكانت معظم الرسومات لفراشات بنفسجيه اللون
زادت حيرة الأم في أمر بهجة الفؤاد . لما الفراشات يا بهجة و انت للبحر عاشقه و مفتونه ؟ كررت الأم السؤال مرات عديده بينما إتخذت لنفسها مقعدا بحوار فراش صغيرتها الغارقة في الأحلام . ودت الأم لو عرفت الأم ما يدور برأس طفلتها وبهجة فؤادها
هكذا كانت الدنيا كما تراها بهجة الفؤاد، فراشات بنفسجيه لا يعوقها حدود أو سدود ! تهرب من زهرة إلي أخري كما تحب و تهوي و لا تخشي في ذلك لومه لائم . تسافر الفراشات لأوطان مسحوره بعيده عن البجر البنفسجي. تسكنها الفراشات فقط ، تطير بحريه خيال طفله صغيره، لا تتعب الفراشات من الطيران كما لا تتعب بهجة الفؤاد من التأمل . وعندما تشتاق بهجة لفراشاتها ترسل مرسالها مع موجات البحر طالبه من الفراشات العودة فلقد طال الفراق
نامت الأم علي مقعدها من التعب وهى ناظرة لطفلتها، وعندما إستيقطت وجدت بهجة الفؤاد جالسه أمام النافذة تنظر إلي البحر البنفسجي ! تُري هل آن الوقت لعودة الفراشات؟ أم أن هناك لوحة جديده فى طريقها للميلاد

الْشَّيْخ زَيْدَان حَمِيْدُو

زيدان حميدو كان شيخ الموقف الوحيد في تلك المدينة الساحلية الصغيرة . كان أعرج و ذو جبروت, كرياح عاتيه أو موج عالي يخشاه  حتي بحره الذي خلق فيه . كان مثل حي علي عدم الايمان بأى شئ و الكفر بكل شئ كما عُرف عنه في تلك المدينة  التي كثرت مساجدها وفاق عددها عدد سكانها
 كان زيدان كثير الشجار و سب الدين في جميع الأوقات و الأحوال. كان له من البنين يضعه. و طالما نسي أسمائهم و ملامحهم ولكنه لا ينسي صفاتهم و طبائعهم، عمل جميعهم في السيارات فهذا سائق و ذلك سمكري و ذاك سروجي 
محجوب كان أكبرهم وقرّه عين أبيه حيث أخذ جميع صفاته  من شجار و سكر و عربده  و طبعا سب الدين . كان محجوب يحظي بحب أبيه- فقال فيه " دائما بتفكرني بشبابي يا محجوب " و كان الأب فخور بولده السائق النصاب كفخر مفكر أديب بباكوره أعماله 
علي عكس أخيه ، عماد كان طيب القلب علي خلق ، يخجل خجل العذراء ليله زفافها. صاحب ابتسامة فيها سلام وخشوع  . كان محبوبا من أهل المدينه الذين شهدوا له بالإيمان لكثرة زيارته المساجد. لم يحظ عماد بحب أبيه كحال أخيه محجوب ، بل علي النقيض لقد مقته والده وكرهه لأنه كان السبب الوحيد الذي جعل أهل المدينه ينعتون زيدان بلقب الفاسد . فكان الناس عندما يروا عماد مع أبيه يتهامسون يخلق من ظهر الفاسد عالم ومن ظهر الفاسد عالم .لم يهتم عماد بحب أو كره أبيه له و لكنه كان دائما يقول : ده مهما كان أبويا ولازم أراعي ربنا فيه
وفي يوم ظلت ملامحه  محفوره   في تاريخ هذه المدينه حتي يومنا هذا ، وجد أهل المدينه محجوب يخرج من المسجد. و أبيه في انتظاره خارج المسجد مترقبا . لم يعرف أهل المدينه ما  سبب زيارة محجوب  للمسحد  في صلاه الفجر التي لا يواظب علي أدائها منافق.  لكنهم عرفوا القصه عندما سمعوا زيدان يصرخ في وجه ابنه قائلا أنا قولت لك نتقابلو وقت صلاه الفجر ، ما قولتلكش الطعني لحد ما حضرتك تصلي يا مولانا الشيخ 
وقف محجوب ذليلا مكسورا أمام توبيخ أبيه له علي فعلته النكراء، فكيف له أن يدخل يصلى ويترك والده منتظرا حيرانا خارج المسجد وبعد ان سب زيدان ولده أمام جموع المصليين ، تهاماسا الرجلان لبضعه ثواني ثم ذهب محجوب وركب سيارته الميكروباص و زيدان ينظر اليه بنظره فيها رائحة الوداع، كأم حديثه العهد بالأمومه ترى طفلتها الصغيره فى أول أيام العام الدراسى . تحركت سيارة محجوب و لكنها توقفت بعد قليل عندما أنزل محجوب زجاج الشباك و اخرج رأسه راجيا والده
  إدعي لي يا آبا- نظر زيدان إلي ابنه مجيبا لرجائه داعيا قائلا- روح يا بني .. ربنا يسهل لدين امك
لم يعرف الناس السر وراء سؤال محجوب الدعاء من أبيه .  و لكنهم عرفوا بعد ذلك ان محجوب كان في طريقه لسرقه سيارة و انه كان في أمّس الحاجه لدعاء أبيه - شيخ الموقف

! ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ

هنا، وعلى تلك الصفحات البيضاء وبهذا الحبر الاسود من ليل الشتاء الطويل، أكتب اليك تلك الكلمات. فعسى أن تجد طريقها إليك أو ان تجد انت طريقك إليها . من النافذه، ارى قطرات الشتاء تتساقط  بغزاره وكأن السماوات‫ قد‫ غضبت لغضبى. لا يوجد بالشارع روح ولا حياة تضامناً مع تلك الحروف. هى الرياح ولا يوجد سواها تحكم وتتحكم فى الحاله . أكتب إليك غير شاك غير آسف ولما الشكوى والأسف وهما من علامات الضعف والضعفاء‫. لم أتعود علي الندم فالندم عاقبة الحالمين وأنا لم أكن بالحلم يوماً عاشقاُ ولا مفتوناً .هو الواقع أرصدة إليك بكل جوانبه الظاهرة والباطنه .فلكل بدايه نهاية، ولكل فاتحه خاتمه تغلق أبوابها وتفك طلاسم الغازها‫ وتُحرر قيودها وتُزهق أغلال السجن ووحدته. وهاهى كلماتى لمجرد الذكرى والمنفعه حتى لا تلومنّى بعد الرحيل‫
وهاهى حروفى كالنهر السلسبيل الهادئ ،خالية من أنانية العشاق ومجازفة وتهور المُحبين . ارصصها إليك حرفا خلف الأخر حتى ترسم لك ما هوه مكتوب وما قد كُتب
ثم أما بعد،
الموت والحياة قد كُتبا قبل الميـلاد ورزق القلوب كرزق المال والبنين لا يعرفه إلا من قدره وبدون حساب أرسله. وها أنا اخرج على المألوف وما آمن به غيرى. فلا تأخذ من كلامى موضعاً للغضب ولا تحسبن سطورى عقاب وحساب ولا يجول خيالك إلا بما قد كتبته هنا ولا تعتقد ان الفراق هيّن وأن فى خواطرى ظُلم بيّن ولكنها رحمة ووداعة  المُحبين الذين أحبوا ونسوا أنفسهم فى سبيل ألافضل والأصلح

ختاماً،
 عندما تصل لهذا الجزء من الخطاب، فإعلم انه من اليوم طريقين وإتجاهين قد وُلدا وإن كانا تحت نفس الشمس وفوق نفس التُراب. ولكنه 
الفراق الذي خُلق من جناح الموت، فلا يمكن أن يكون أى منهما ذنب نُعاقب عليه 

****
خيال 

#Egypt 's once powerful #Mubarak scions now face jail

#Noscaf عَوْدَة ل ٢٠٠٥ ! وَكَأَن الثَّوْرَه لَم تَقُم وَمَازَال الْضَّرْب مُسْتَمِر

هذا الفديو هو بالتمام والكمال ما كنا  نراه فى ٢٠٠٥ من تعذيب وانتهاكات وجبروت لامن الدوله وكل ما يرتدى بدله ميرى. قامت الثوره لأسباب عدة. فكل يرى اسباباً الثوره عندما ينظر فى المرآه. ولكن اعتقد ان السواد الاعظم من الشعب أراد من الثوره الكرامه وعدم اهانة الانسان فى بلده. ولكن العسكر وأمن الدوله لا يربطون بين كلمة إنسان مصرى وبين كلمة كرامة  وعيش كريم. التصالح والبداية الجديده مع العسكر ولابسى الميرى لن تفيد . الشعب الطيب الذى يخدعه إعلام العسكر الذى لم  يتغير كثيرا عن  إعلام مبارك ، لابد لهذا الشعب مشاهدة هذا الفديو الذى صوره عبد الرحمن عز فى اول ايام الشهر الكريم