حضرات الساده الأفاضل ..حضرات الساده الكرام .. معاً ومن أشجع بقاع الله فى أرضه .. فراشة أولاد الحدينى أبو لطعه بالبيطاش ترحب بكم وتقدم لكم الحفل الساهر
لأفراح عائلات الهجام وأبو داغر بالعصافره وسيدى بشر قبلى والدخيله وحجر النواتيه والورديان ومينا البصل وجبل نعسه و ترحب بكل واحد حضر وآنس وشرّف جمعنا السعيد كله
يعنى إيه؟ يعنى :
اللى يحبنا يضرب نار
واللى فى جيبه صاروخ يولعه
واللى معاه سيف يطلعه
واللى يصحى بدرى بكره .. يشوف له قسم بوليس يولعه
يا مطوتى على ّ على ّ .. بالدم غطينى
يعنى إيه؟ يعنى :
يا إسكندريه لاموكى العوازل
وبعون السميع القدير ..راح نعملو لهم جدار عازل
يعنى إيه؟ يعنى :
البحر بحرنا ..و الرمل رملنا
واللى ليه شوق فى حاجه وجاى يعكر صفونا
المالح غاوووووويط.... والناصر ربنا
يعنى إيه؟ يعنى :
بحبك بإستمرار ..بحبك طول العُمر
و الإتحاد سيد البلد
ولا زمالك ولا شياطين حُمر
هكذا بدأ شاويش المسرح بهذه المُقدمة التى دمعت لها أجفان الحضور وتراقصت على نغماتها المؤخرات والصدور. كان ذلك فى بداية هذا الفرح التاريخى الذى لا يتكرر إلا فى كل مائة عام. جلس الدكتور محفوظ الأنصارى جرّاح القلب الشهير على مقعده فى كل أدب وخشوع و كأنه يوم الزلزله. كان الرجل فى حالة ريب شديد عن ما يحدث. أهو واقع ملموس وحقيقة يراها ويسمعها؟ أم أنه حلم ودرب من دروب الخيال
شاويش المسرح الذى لا يمكن رؤيته إذا وقف خلف إحدى مُكبرات الصوت التى لم ير الدكتور لها نظيراً من قبل وهو من قام بإلقاء المحاضرات والندوات لآلاف من الحضور مستخدماً أحدث الأحهزه وأكثرها تطوراً ولكنه لم يعرف من قبل اليوم أن وجود مكبراُ للصوت بهذا الحجم العملاق هو أمر هيّن ويمكن للصنف البشرى إنجازه . وتسآل الدكتور لماذا يحتاج شاويش المسرح مكبراً للصوت وهو صاحب الصوت الجهير الذى يبعث فى النفوس ضيقا وفى الصدور حرجاً
جمع شاويش المسرح كل قواه فى شنب لم يمسسه حلاّق منذ نشأته الأولى ويرتدى قميصاً به جيمع الألوان التى عرفها أشهر الرسامين فى العالم. لم يتأكد أحداً من نوعية الخامه التى صُنع منها القميص ولكنه به من اللمعان ما يكفى لإضائة صحراء مصر الغربيه فى ليلة شتاء قارص
نظر الدكتور محفوظ على المائدة التى وُضعت امامه، ليجد أصنافاً من الحشيش تكفى لإعدام مدينه بأكملها ووجد جبال صغيره من الحبوب المُخدرة التى عجز عن تحديد هويتها وهو العالم بالطب وأدويته ودراساته. على يساره وجد صندوقين من البيره توارا خجلاً تحت أكوام من الثلج الأبيض. وعلى يمينه وجد شئ لم يستطع معرفته من الوهلة الأولى إلا بمساعدة ذلك الطفل بلاميطه الذى تم تعينه خصيصاُ لخدمة الدكتور وتلبية طلباته
سأل بلاميطه الدكتور محفوظ بلهجه فيها شئ من السخريه وبعض من الإستحقار : دى شيشة يا أستاذ. عُمرك ما شفت شيشه قبل كده
أجاب الدكتور محفوظ بكل أدب وخوف : لا طبعا شفت شيشه قبل كده بس دى شكلها غريب شويه
رد بلاميطه عليه وعلى وجهه إبتسامه العالم ببواطن الأمور : آه دى شيشه عموله ..عملناه فى البيت عشان الكيف يطلع على النافوخ علطول
بدأ شاويش المسرح فى التمايل والتراقص وكأنه عود لولبى يختفى وسطه وعظامه وتظهر عند الحاجه. حقد الدكتور محفوظ عليه وتذكر آلام الظهر والغضروف التى يعانى منها منذ سنوات. ثمة شئ ما سيطر على الفرح التاريخى عندما بدأ شاويش المسرح فى تقديم فقرات الحفل، آلا وهو أن لا أحد يجلس فى مقعده نساء أو رجال ! الجميع يرقص بإرادته أو بإرادة البيره والحبوب البيضاء فكانت كلمة الدخان الأزرق هى العُليا وكلمة العقول والمنطق هى السفلى
حاول الدكتور محفوظ أن يختلس نظره على المسرح آملاً أن يرى العريس وعروسه ولكن هيهات، فهناك من الراقصات عشره يحتلن المسرح ولا يرتدين من الثياب إلا قليلاً. وبعد مشقه ليست بالقليله ، لمح الدكتور العريس يتراقص وبيده آلة حاده عرف فيما بعد أنه سيف وقد صُنع خصيصاً لهذه الليله المباركه ! و كانت عروسه تراقصه وفى كل يد من يديها زجاجة بيره
سرح الدكتور بخياله مع مشهد العريس بسيفه والعروسه بزجاجات البيره , وتذكر كيف تمت دعوته لهذا الفرح الذى لا غنمة له فيه ولا بعير. تذكر الدكتور محفوظ عيادته الشهيرة منذ شهر مضى عندما دخل عليه رجل ضخم الجثه إسمه المعلم محمود أبو داغر تاجر المخدرات الشهير ومعه من الرجال عصبة مخيفه
كان المعلم أبو داغر يشكو من القلب وأوجاعه وإنه لم يعد يستطع تدخين قرش حشيش بمفرده كما كان حاله من قبل
قام الدكتور بإجراء جراحه عاجله لتغير صمامات القلب وأمر المعلم بالإبتعاد عن التدخين نهائيا. بعد أن تمت الجراحه بنجاح شكره المعلم بحراره ودعاه لحضور حفل زفاف إبنه الأصغر. وكما كان يتذكر الدكتور، أن الدعوه لم تكن دعوه بالأمر المُتعارف عليه ولكنها كانت فى لهجه الأمر الواجب النفاذ. ووقتها، نظر الدكتور للمعلم ورجاله ولم يمكن بوسعه إلا قبول الدعوه مغصوباً مضطرا
لم يستيقظ الدكتور من سرحانه وخياله إلا عندما سمع صوت إستغاثه وصراخ من بعض الحضور : دكتور يا إخوانا ..دكتور يا إخوانا. الحقونا يا هووووه
نسى الدكتور محفوظ لبضعة لحظات أنه طبيب . وماذا يفعل الطبيب فى فرح كهذا
اقتاده رجل من أعوان المعلم أبو داغر إلى المسرح حيث وجد العروسه ملقاه على ظهرها والدماء قد غطت فستانها الأبيض. لم يسأل الدكتو عما حدث إلا بعد أن أجرى لها بعض الإسعافات الأوليه وطلب سيارة الإسعاف لنقلها الى المستشفى والإطمئننان عليها
كان العريس يتراقص بالسيف أمام عروسته و فى عز النشوه و لم يدر إلا والسيف يقطع أذن زوجة المستقبل ويفصلها تماما عن وجهها
شكر المعلم أبو داغر الدكتور محفوظ وشد على يديه قائلا : مش عارفين نودوا جمايلك فين يا ضاكتور.. مكتوب لك تعلاج وتداوى أمراض أولاد أبو داغر
رد الدكتور قائلا : لا شُكر على واجب يا معلم.
أثنى المعلم على رد الدكتور قائلا : وعشان كده يا ضاكتور لازم تحضر حفلة طهور إبن بنتى شلبايه الأسبوع اللى جاى.. لازم ..ماشى يا ضاكتور. إحنا عاملين له حفلة بسيطه كده زى بتاعة النهارده
تبسم الدكتور محفوظ من أعماق قلبه هذه المره وبدون غصب أو إضظرار أوخوف من أعوان المعلم وقال : بكل منون يا معلم.. ده شئ يشرفنى أن أحضر حفلة الطهور
فك الدكتور محفوظ رابطه عنقه ومشى قاصداً كورنيش البحر فى هذه الساعة الساحره من اليوم عندما يبدأ ظلام الليل فى التلاشى خجلاً أمام جبروت الشمس وأشعة الصباح الذهبيه.