بقلم: جرايم وود
ترجمة: رأفت رحيم
------------------------
Ben Stansall / AFP / Getty
طلبة مدرسة قطعُّوا القرآن. لماذا تهتم الشرطة؟
منذ ما يقرب من نصف قرن، قامت امرأة إنجليزية "حِشَريّة" تدعى ماري وايتهاوس، بمقاضاة ناشر مثلي الجنس في لندن بتهمة ازدراء الأديان. كان الناشر قد طبع قصيدة تصور قائد المئة الروماني على أنه شخص ينجذب جنسيا إلى جثث الموتى، ويمارس الجنس مع جثة يسوع المسيح. فازت المرأة بالقضية، لكنها خسرت الحرب الثقافية: كانت آخر محاكمة ناجحة بتهمة الهرطقة في المملكة المتحدة. وفي عام 2008، بعد عقود من الزمن، تم إلغاء قانون ازدراء الأديان الإنجليزي ولم يعد له وجود رسميًا.
لكن الأخلاقيين لم يغادروا أبدًا، وتعثرت السلطات الإنجليزية عندما حاولت معرفة كيفية التوسط بينهم وبين أولئك الذين يتهمونهم. في الشهر الماضي، في بلدة ويكفيلد في غرب يوركشاير، اشترى شاب يبلغ من العمر 14 عامًا ترجمة باللغة الإنجليزية للقرآن على موقع أمازون. (المعروف باسم "القرآن الوردي"، يكلف حوالي 13 دولارًا). أعطاها لأصدقائه في المدرسة، وبحلول نهاية اليوم كانت نسخة القرآن الوردي ملطخة وممزقة قليلاً. قامت المدرسة بإيقاف الأطفال، وحققت الشرطة في الحادث باعتباره جريمة كراهية محتملة - والتي، نظرًا لأنه القرآن الوردي كانت نسخة ملك هذا الطفل ، وأن الشرطة لا تجري تحقيقات بشكل عام في الأغلفة المجعدة والصفحات الملطخة، سيكون من الصعب تقرير أنها تهمة ازدراء أديان.
في النهاية لم يقيموا الدعوى القضائية. وعندما تم تهديد مالك نسخة القرآن بالقتل، أخذت الشرطة التهديد على محمل الجد. لكن الحادث يوضح كيف تميل دفاعات المجتمع إلى الانزلاق، مثل الحارس الذي يغفو في وردية الليل. (أثارت محاولة قتل سلمان رشدي العام الماضي الكثير من المدافعين عن حرية التعبير من سبات مماثل). ولم يأتِ من هذا الحادث سوى شيء واحد جيد: فقد أجبر السلطات والمجتمع المدني على مسح القشرة عن أعينهم وتذكيرهم بأفضل السبل. للرد على مثل هذه الحوادث، أو غير ها.
رد الرجعيون أولاً. دعا السياسي المحلي، عثمان علي، الحكومة إلى التعامل مع "الاستفزاز الرهيب" - والذي لم يقصد به التهديدات بالقتل ضد طفل، بل الأذى الخفيف الذي لحق بالقرآن. ثم أصبحت الأمور أكثر كآبة. والدة الصبي، وهي غير مسلمة، غطت رأسها بغطاء محرج وتوسلت الرحمة خلال اجتماع في مسجد ويكفيلد. قال عاكف أحمد وهو عضو في المجلس المحلي، للتخفيف من وطأة الطفل أن ابنها (الذي ربما لم يكن حتى مسؤولاً عن اللطخات التي أصابت القرآن) خجول و "مصاب بدرجة شديدة بالتوحد". المتحدث التالي، وهو إمام مسجد، كان أقل تصالحيّة من عاكف أحمد. قال "لن نتسامح مع ازدراء القرآن الكريم". "سوف نضحي بحياتنا من أجل ذلك."
تشير كلمات الإمام إلى دعم حملة انتقام -على غرار تلك التي أصابت سلمان رشدي- ضد طفل مصاب بالتوحد. ولكن يجب على المرء أن يضع في اعتباره أن كل مجتمع به أعضاء قاسيون ومنتقمون، ومثل الساعات المتوقفة، سيظلون يشيرون إلى ازدراء الأديان إلى الأبد. يبدو أن ساعة هذا الإمام بالذات قد توقفت في أواخر العصور الوسطى.
الرجل الذي جلس على يسار الإمام كان هدفًا منتجًا أكثر للغضب. لا يرتدي عمامة أو قلنسوة إسلامية بل زي شرطي بثلاث نجوم على كتفه. أومأ ممثل الشرطة برأسه، دون أن يتحرك له جفن حتى لمقولة "سنضحي بحياتنا من أجل ذلك". تم تفسير رد فعله على أنه لامبالاة. سوف أتبرع أكثر بالشرح، أعتقد أن صمته ووجوده كانا علامات على الاحترام - اعتراف بمشاعر مواطنيه القوية، التي لهم، مثلهم مثل جميع الناس، لهم كل الحق في التعبير عنها دون تدخل الحكومة.
لكن لا يزال مخطئًا، وأفضل درس من مشهد التحرش هذا هو أنه في حالات ازدراء الأديان المزعومة، فإن الاحترام هو علامة ضعف للعمل العام. تذمر الرجال (كان كلهم رجال) في المسجد لم يكن مصدر قلق لضابط الشرطة أثناء قيامه بواجباته. ربما كان إرسال شرطي لضمان سلامة الأم أمرًا حكيمًا؛ حتى أحد المتحدثين الذكور وصف المكان بأنه "مخيف". لا ينبغي للضابط أن يجلس في لجنة الرجال الذين يترأسون جلسة الإذلال هذه. وكان يجب عليه أن يترك هذه المنصة بمجرد أن يدرك أن المناسبة كانت تستخدم للتنمر على الأم ونشر رسالة دينية وليست مدنية.
الاحترام هو مفهوم لائق ولا يمكن الاعتراض عليه لدرجة أن المرء يفترض -كموظف حكومي-، التصرف بطريقة محترمة. لكنه، كما قال الفيلسوف سيمون بلاكبيرن ذات مرة، "مصطلح خادع - مما يجعله "يوضع جيدا وبشكل فريد لأغراض أيديولوجية ... ما يمكن أن نسميه "تسلق الاحترام" يبدأ، حيث يتحول طلب الحد الأدنى من التسامح إلى مطلب لمزيد من الاحترام، مثل شعور التعاطف أو الاعتبار، وأخيرًا الإذعان والتقديس".
من الناحية العملية، فإن متلقي عروض الاحترام هذه هم أشخاص عديمو الثقة في أنفسهم، متذمرون وعنيفون. رجال الشرطة يحترمون حشدًا من الغوغاء على شفا العنف، من أجل "تخفيف التوترات" أو "خفض درجة الحرارة". وفي الوقت نفسه، أولئك القادرين على احتواء عواطفهم، أو الذين لا يهددون أحدًا، لا يطالبون بأي احترام عام ولا يحصلون عليه. أشار الباحث في شؤون الإرهاب ليام دافي مؤخرًا، سُلطات تنكيس الرأس تضفي شرعية غير مقصودة على شكاوى المعتدين. يمكن لأي شخص عادي إظهار الأخلاق الحميدة ومحاولة تهدئة إهانة الجار. لكن القيام بذلك بسلطة الدولة هو شيء آخر.
اندهش من كيف أن ازدراء الأديان – بعد إزالة لدغته القانونية- يدس نفسه في مكان آخر متلونًا القانون إن لم يكن القانون نفسه. كتب أحد المؤلفين على الموقع الإسلامي 5pillarsuk.com أنه لا يوجد شيء "مزعج" بشأن الاجتماع في المسجد، لأنه "من الجيد تمامًا التحدث إلى مجتمع من الناس طواعية" من أجل "حل الأمور أو [نزع فتيل] التوترات. " يمكنك مشاهدة الفيديو بنفسك لمعرفة ما إذا كان يبدو وكأنه اجتماع من الجيران لحل الخلافات أم امرأة تتوسل من أجل حياة طفلها. في أعقاب التهديد بالقتل، وفي وجود إيماءة لشرطي مسؤول عن الحفاظ على الطفل في مأمن من الاغتيال، تخفي الكلمة طواعية كل أنواع الإكراه.
أنا أفترض أن الشرطي ندم على تأييده الضمني لهذا الحدث، ربما قبل انتهاء اللقاء. وحتى السياسي عثمان علي الذي قال إنه يجب "التعامل مع الصبي"، يبدو أنه تمنى لو قال غير ذلك؛ فقد قام بحذف تغريدته. في الأسبوع الماضي فقط أصدر سياسي ما كان ينبغي أن يكون الرد الأول والوحيد: أن يُذكّر بشكل لا لبس فيه أنه يمكن لأي شخص احترام أو عدم احترام أي دين أو كتاب بالطريقة التي يختارها، دون دعم أو معاقبة من الحكومة.
جاء هذا الرد العقلاني من وزيرة الداخلية سويلا برافرمان في صحيفة تايمز أوف لندن. وكتبت: "لا توجد لدينا قوانين لازدراء الأديان في بريطانيا العظمى، ولا يجب أن نكون متواطئين في محاولات فرضها على هذا البلد". "لا يوجد حق في عدم التعرض للإهانة. لا يوجد التزام قانوني باحترام أي دين ". ونفت فكرة أن "المسلمين غير قادرين بشكل فريد على التحكم في أنفسهم إذا شعروا بالاستفزاز" باعتبارها نظرية متعصبة. قد يكون تدنيس القربان هو أقرب نظير في المسيحية لإلحاق الأذى بالقرآن، وهو أحد الأعمال القليلة التي تجعلك تُطرد تلقائيًا من الكنيسة الكاثوليكية ويتم أرسالك إلى الجحيم في الحارة الإكسبرس. يجب أن يعلم المسلمون أنهم ليسوا محميين من السخرية أكثر من الكاثوليك الذين يؤمنون بالتناول (سر الإفخارستيا)
كان تصريح سويلا برافرمان معيبًا، مع إشارات غير ضرورية وغير مدروسة لقانون الشريعة وقد انتقدت الكاتب جي كي رولينج استراتيجية المملكة المتحدة لمكافحة الإرهاب، والمعروفة باسم منع (بريفنت -Prevent)، لعدم إدراكها "نطاق" الجهاد، في حين أن أخطاء (بريفنت(Prevent- تتعلق أكثر بالتنفيذ. أفاد المسلمون العاديون المحافظون أنهم شعروا بأنهم مستهدفون بسبب معتقداتهم وممارساتهم. كانت مشكلة التطرف كبيرة بالفعل، لكن لا يزال من الصعب العثور على الراديكاليين الناشئين بين المتدينين فقط.
لكن هذه العيوب في مقالة سويلا برافرمان تعزز فقط حكمة سياسة أن تبقي الحكومة بعيدة عن الدين تمامًا. إن الحكومة التي تهز رأسها بشدة لتأييد موقف ديني ما، ستومئ برأسها بشدة لإدانة موقف ديني آخر. هناك حل طبيعي: إذا كنت مسؤولاً حكوميًا، ابق بعيدًا عن شعري الإيروتيكي عن قادة المائة في الرومان، وابتعد عن مسجدي.
-----------------------------------------------------------------------------------
كاتب هذه المقالة هو جرايم وود ونشرها في مجلة الأتلانتك في عدد ١١ مارس ٢٠٢٣. وورد نُشر له كتاب: طريق الغرباء: لقاءات مع الدولة الإسلامية.
No comments:
Post a Comment